الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : تمسك الشافعي رضي الله عنه بهذه الآية في بيان أن النكاح بغير ولي لا يجوز ، وبنى ذلك الاستدلال على أن الخطاب في هذه الآية مع الأولياء. قال : وإذا ثبت هذا وجب أن يكون التزويج إلى الأولياء لا إلى النساء؛ لأنه لو كان للمرأة أن تتزوج بنفسها أو توكل من يزوجها لما كان الولي قادرا على عضلها من النكاح، ولو لم يقدر الولي على هذا العضل لما نهاه الله عز وجل عن العضل، وحيث نهاه عن العضل كان قادرا على العضل، وإذا كان الولي قادرا على العضل وجب أن لا تكون المرأة متمكنة من النكاح، واعلم أن هذا الاستدلال بناء على أن هذا الخطاب مع الأولياء، وقد تقدم ما فيه من المباحث، ثم إن سلمنا هذه المقدمة لكن لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله : ( ولا تعضلوهن ) أن يخليها ورأيها في ذلك؛ وذلك لأن الغالب في النساء الأيامى أن يركن إلى رأي الأولياء في باب النكاح، وإن كان الاستئذان الشرعي لهن، وإن يكن تحت تدبيرهم ورأيهم، وحينئذ يكونون متمكنين من منعهن لتمكنهم من تزويجهن، فيكون النهي محمولا على هذا الوجه، وهو منقول عن ابن عباس في تفسير الآية، وأيضا فثبوت العضل في حق الولي ممتنع؛ لأنه مهما عضل لا يبقى لعضله أثر، وعلى هذا الوجه فصدور العضل عنه غير معتبر، وتمسك أبو حنيفة رضي الله عنه بقوله تعالى : ( أن ينكحن أزواجهن ) على أن النكاح بغير ولي جائز، وقال : إنه تعالى أضاف النكاح إليها إضافة الفعل إلى فاعله، والتصرف إلى مباشره، ونهى الولي عن منعها من ذلك، ولو كان ذلك التصرف فاسدا لما نهى الولي عن منعها منه، قالوا : وهذا النص متأكد بقوله تعالى : ( حتى تنكح زوجا غيره ) وبقوله : ( فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ) وتزويجها نفسها من الكفء فعل بالمعروف ، فوجب أن يصح، وحقيقة هذه الإضافة على المباشر دون الخاطب، وأيضا قوله تعالى : ( وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها ) [الأحزاب : 250] دليل واضح مع أنه لم يحضر هناك ولي البتة، وأجاب أصحابنا بأن الفعل كما يضاف إلى المباشر قد يضاف أيضا إلى المتسبب، [ ص: 98 ] يقال : بنى الأمير دارا، وضرب دينارا. وهذا وإن كان مجازا إلا أنه يجب المصير إليه لدلالة الأحاديث على بطلان هذا النكاح.

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية