المسألة الخامسة : : صلاة الخوف قسمان
أحدهما : أن تكون في حال القتال وهو المراد بهذه الآية .
والثاني : في غير حال القتال وهو المذكور في سورة النساء في قوله تعالى : ( وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك ) [ النساء : 102 ] وفي سياق الآيتين بيان اختلاف القولين .
إذا عرفت هذا فنقول : إذا التحم القتال ، ولم يمكن ترك القتال لأحد ، فمذهب رحمه الله أنهم [ ص: 132 ] يصلون ركبانا على دوابهم ، ومشاة على أقدامهم إلى القبلة وإلى غير القبلة يومئون بالركوع والسجود ، ويجعلون السجود أخفض من الركوع ، ويحترزون عن الصيحات ؛ لأنه لا ضرورة إليها ، وقال الشافعي : لا يصلي الماشي بل يؤخر ، واحتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية من وجهين : الشافعي
الأول : ابن عمر : ( فرجالا أو ركبانا ) يعني مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها . قال نافع : لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال
الوجه الثاني : وهو أن الخوف الذي تجوز معه الصلاة مع الترجل والمشي ومع الركوب والركض لا يمكن معه المحافظة على الاستقبال ، فصار قوله : ( فرجالا أو ركبانا ) يدل على الترخص في ترك التوجه ، وأيضا يدل على الترخص في ترك الركوع والسجود إلى الإيماء لأن مع الخوف الشديد من العدو لا يأمن الرجل على نفسه إن وقف في مكانه لا يتمكن من الركوع والسجود ، فصح بما ذكرنا دلالة رجالا أو ركبانا على جواز ترك الاستقبال ، وعلى جواز الاكتفاء بالإيماء في الركوع والسجود .
إذا ثبت هذا فلنتكلم فيما يسقط عنه وفيما لا يسقط ، فنقول : لا شك أن : الصلاة إنما تتم بمجموع أمور ثلاثة
أحدها : فعل القلب وهو النية ، وذلك لا يسقط ؛ لأنه لا يتبدل حال الخوف بسبب ذلك .
والثاني : فعل اللسان وهي القراءة ، وهي لا تسقط عند الخوف ، ولا يجوز له أيضا أن يتكلم حال الصلاة بكلام أجنبي ، أو يأتي بصيحات لا ضرورة إليها .
والثالث : أعمال الجوارح ، فنقول : أما القيام والقعود فساقطان عنه لا محالة وأما الاستقبال فساقط على ما بيناه ، وأما الركوع والسجود فالإيماء قائم مقامهما ، فيجب أن يجعل الإيماء النائب عن السجود أخفض من الإيماء النائب عن الركوع ، لأن هذا القدر ممكن ، وأما ، فإنه يمكنه التطهير بالماء أو التراب ، إنما الخلاف في أنه إذا وجد الماء وامتنع عليه التوضؤ به ؛ هل يجوز له أن يتيمم بالغبار الذي يتمكن منه حال ركوبه ، والأصح أنه يجوز ، لأنه إذا كان خوف العطش يرخص التيمم ، فالخوف على النفس أولى أن يرخص في ذلك ، فهذا تفصيل قول ترك الطهارة فغير جائز لأجل الخوف رحمه الله ، وبالجملة فاعتماده في هذا الباب على قوله عليه الصلاة والسلام : " الشافعي " واحتج إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم بأنه عليه السلام أخر الصلاة يوم الخندق فوجب علينا ذلك أيضا . أبو حنيفة
والجواب : أن يوم الخندق لم يبلغ الخوف هذا الحد ، ومع ذلك فإنه صلى الله عليه وسلم أخر الصلاة فعلمنا كون هذه الآية ناسخة لذلك الفعل .