أما قوله تعالى : ( فشربوا منه إلا قليلا منهم ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أبي ( إلا قليل ) قال صاحب " الكشاف " : وهذا بسبب ميلهم إلى المعنى ، وإعراضهم عن اللفظ ، لأن قوله : ( والأعمش فشربوا منه ) في معنى : فلم يطيعوه ، لا جرم حمل عليه كأنه قيل : فلم يطيعوه إلا قليل منهم .
المسألة الثانية : قد ذكرنا أن المقصود من هذا الابتلاء أن يتميز الصديق عن الزنديق ، والموافق عن المخالف ، فلما ذكر الله تعالى أن الذين يكونون أهلا لهذا القتال هم الذين لا يشربون من هذا النهر ، وأن كل [ ص: 155 ] من شرب منه فإنه لا يكون مأذونا في هذا القتال ، وكان في قلبهم نفرة شديدة عن ذلك القتال ، لا جرم أقدموا على الشرب ، فتميز الموافق عن المخالف ، والصديق عن العدو ، ويروى أن أصحاب طالوت لما هجموا على النهر بعد عطش شديد ، وقع أكثرهم في النهر ، وأكثروا الشرب ، وأطاع قوم قليل منهم أمر الله تعالى ، فلم يزيدوا على الاغتراف ، وأما ولم يرووا ، وبقوا على شط النهر ، وجبنوا على لقاء العدو ، وأما الذين شربوا وخالفوا أمر الله فاسودت شفاههم وغلبهم العطش . الذين أطاعوا أمر الله تعالى ، فقوي قلبهم وصح إيمانهم ، وعبروا النهر سالمين
المسألة الثالثة : القليل الذي لم يشرب قيل : إنه أربعة آلاف ، والمشهور وهو قول الحسن أنهم كانوا على عدد أهل بدر ثلاثمائة وبضعة عشر وهم المؤمنون ، والدليل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر : أصحاب طالوت حين عبروا النهر وما جاز معه إلا مؤمن ، قال : وكنا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا البراء بن عازب . أنتم اليوم على عدة