ثم قال تعالى : ( ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ) ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : القراءة الظاهرة ، ثم يقول بنصب اللام ، وروي عن أبي عمرو برفعها ، أما النصب فعلى تقدير : لا تجتمع النبوة وهذا القول ، والعامل فيه " أن " وهو معطوف عليه بمعنى : ثم أن يقول ، وأما الرفع فعلى الاستئناف .
المسألة الثانية : حكى الواحدي عن - رضي الله عنهما - أنه قال في قوله تعالى : ( ابن عباس كونوا عبادا لي ) أنه لغة مزينة يقولون للعبيد عبادا .
ثم قال : ( ولكن كونوا ربانيين ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في هذه الآية إضمار ، والتقدير : ولكن يقول لهم كونوا ربانيين ، فأضمر القول على حسب مذهب العرب في ، ونظيره قوله تعالى : ( جواز الإضمار إذا كان في الكلام ما يدل عليه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ) [ آل عمران : 106 ] أي فيقال لهم ذلك .
المسألة الثانية : ذكروا في أقوالا : تفسير " الرباني "
الأول : قال : الرباني المنسوب إلى الرب ، بمعنى كونه عالما به ، ومواظبا على طاعته ، كما يقال : رجل إلهي إذا كان مقبلا على معرفة الإله وطاعته ، وزيادة الألف والنون فيه للدلالة على كمال هذه الصفة ، كما قالوا : شعراني ولحياني ورقباني إذا وصف بكثرة الشعر وطول اللحية وغلظ الرقبة ، فإذا نسبوا إلى الشعر قالوا : شعري ، وإلى الرقبة رقبي ، وإلى اللحية لحيي . سيبويه
والثاني : قال " الربانيون " أرباب العلم واحدهم رباني ، وهو الذي يرب العلم ويرب الناس أي : يعلمهم ويصلحهم ويقوم بأمرهم ، فالألف والنون للمبالغة ، كما قالوا : ريان وعطشان وشبعان وعريان ، ثم ضمت إليه ياء النسبة كما قيل : لحياني ورقباني ، قال المبرد الواحدي : فعلى قول " الرباني " منسوب إلى الرب على معنى التخصيص بمعرفة الرب وبطاعته ، وعلى قول سيبويه " الرباني " مأخوذ من التربية . المبرد
الثالث : قال ابن زيد : الرباني هو الذي يرب الناس ، ، وذكر هذا أيضا في قوله تعالى : ( فالربانيون هم ولاة الأمة والعلماء لولا ينهاهم الربانيون والأحبار ) [ المائدة : 63 ] أي الولاة والعلماء وهما الفريقان اللذان يطاعان ، ومعنى الآية على هذا التقدير : لا أدعوكم إلى أن تكونوا عبادا لي ، ولكن أدعوكم إلى أن تكونوا ملوكا وعلماء باستعمالكم أمر الله تعالى ومواظبتكم على طاعته ، قال القفال رحمه الله : ويحتمل أن يكون الوالي سمي ربانيا ؛ لأنه يطاع كالرب تعالى ، فنسب إليه .
الرابع : قال أبو عبيدة : أحسب أن هذه الكلمة ليست بعربية إنما هي عبرانية ، أو سريانية ، وسواء كانت عربية أو عبرانية ، فهي تدل على الإنسان الذي علم وعمل بما علم ، واشتغل بتعليم طرق الخير .