الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( وجيها في الدنيا والآخرة ) ففيه مسألتان :

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الأولى : معنى الوجيه : ذو الجاه والشرف والقدر ، يقال : وجه الرجل ، يوجه وجاهة فهو وجيه ، إذا صارت له منزلة رفيعة عند الناس والسلطان ، وقال بعض أهل اللغة : الوجيه : هو الكريم ؛ لأن أشرف [ ص: 45 ] أعضاء الإنسان وجهه فجعل الوجه استعارة عن الكرم والكمال .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن الله تعالى وصف موسى - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان وجيها قال الله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها ) [ الأحزاب : 69 ] ثم للمفسرين أقوال :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : قال الحسن : كان وجيها في الدنيا بسبب النبوة ، وفي الآخرة بسبب علو المنزلة عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنه وجيه عند الله تعالى ، وأما عيسى - عليه السلام - ، فهو وجيه في الدنيا بسبب أنه يستجاب دعاؤه ، ويحيي الموتى ، ويبرئ الأكمه والأبرص بسبب دعائه ، ووجيه في الآخرة بسبب أنه يجعله شفيع أمته المحقين ويقبل شفاعتهم فيهم كما يقبل شفاعة أكابر الأنبياء عليهم السلام .

                                                                                                                                                                                                                                            والثالث : أنه وجهه في الدنيا بسبب أنه كان مبرأ من العيوب التي وصفه اليهود بها ، ووجيه في الآخرة بسبب كثرة ثوابه وعلو درجته عند الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : كيف كان وجيها في الدنيا واليهود عاملوه بما عاملوه ؟ قلنا : قد ذكرنا أنه تعالى سمى موسى - عليه السلام - بالوجيه مع أن اليهود طعنوا فيه ، وآذوه إلى أن برأه الله تعالى مما قالوا ، وذلك لم يقدح في وجاهة موسى -عليه السلام - ، فكذا هاهنا .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثانية : قال الزجاج : " وجيها " منصوب على الحال ، المعنى : أن الله يبشرك بهذا الولد وجيها في الدنيا والآخرة ، والفراء يسمي هذا قطعا كأنه قال : عيسى ابن مريم الوجيه فقطع منه التعريف .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله : ( ومن المقربين ) [آل عمران : 45] ففيه وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنه تعالى جعل ذلك كالمدح العظيم للملائكة فألحقه بمثل منزلتهم ودرجتهم بواسطة هذه الصفة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن هذا الوصف كالتنبيه على أنه - عليه السلام - سيرفع إلى السماء وتصاحبه الملائكة .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أنه ليس كل وجيه في الآخرة يكون مقربا ؛ لأن أهل الجنة على منازل ودرجات ، ولذلك قال تعالى : ( وكنتم أزواجا ثلاثة ) [ الواقعة : 7 ] إلى قوله : ( والسابقون السابقون أولئك المقربون ) [ الواقعة : 10 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية