ثم قال تعالى : ( ولا تفرقوا ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : في التأويل وجوه . الأول : أنه نهي عن الاختلاف في الدين وذلك لأن الحق لا يكون إلا واحدا ، وما عداه يكون جهلا وضلالا ، فلما كان كذلك وجب أن يكون ، وإليه الإشارة بقوله تعالى : ( النهي عن الاختلاف في الدين فماذا بعد الحق إلا الضلال ) [ يونس : 32 ] . والثاني : أنه ، فإنهم كانوا في الجاهلية مواظبين على المحاربة والمنازعة فنهاهم الله عنها . الثالث : أنه نهي عما يوجب الفرقة ويزيل الألفة والمحبة . نهي عن المعاداة والمخاصمة
واعلم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : الناجي منهم واحد والباقي في النار ، فقيل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : الجماعة " وروي " السواد الأعظم " وروي " ما أنا عليه وأصحابي " ستفترق أمتي على نيف وسبعين فرقة [ ص: 143 ] والوجه المعقول فيه : أن النهي عن الاختلاف والأمر بالاتفاق يدل على أن الحق لا يكون إلا واحدا ، وإذا كان كذلك كان الناجي واحدا . "
المسألة الثانية : استدلت نفاة القياس بهذه الآية ، فقالوا : الأحكام الشرعية إما أن يقال : إنه سبحانه نصب عليها دلائل يقينية أو نصب عليها دلائل ظنية ، فإن كان الأول امتنع الاكتفاء فيها بالقياس الذي يفيد الظن ، لأن الدليل الظني لا يكتفى به في الموضع اليقيني ، وإن كان الثاني كان الأمر بالرجوع إلى تلك الدلائل الظنية يتضمن وقوع الاختلاف ووقوع النزاع ، فكان ينبغي أن لا يكون التفرق والتنازع منهيا عنه ، لكنه منهي عنه لقوله تعالى : ( ولا تفرقوا ) وقوله : ( ولا تنازعوا ) [ الأنفال : 46 ] ولقائل أن يقول : الدلائل الدالة على العمل بالقياس تكون مخصصة لعموم قوله : ( ولا تفرقوا ) ولعموم قوله : ( ولا تنازعوا ) [ الأنفال : 46 ] والله أعلم .