المسألة الثالثة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن ، وأنه ليس هاهنا منزلة بين المنزلتين كما يذهب إليه المكلف إما مؤمن وإما كافر المعتزلة ، فقالوا : إنه تعالى قسم أهل القيامة إلى قسمين منهم من يبيض وجهه وهم المؤمنون ، ومنهم من يسود وجهه وهم الكافرون ولم يذكر الثالث ، فلو كان هاهنا قسم ثالث لذكره الله تعالى قالوا : وهذا أيضا متأكد بقوله تعالى : ( وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة ) [ عبس : 39 ] .
أجاب القاضي عنه بأن عدم ذكر القسم الثالث لا يدل على عدمه ، يبين ذلك أنه تعالى إنما قال : ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ) فذكرهما على سبيل التنكير ، وذلك لا يفيد العموم ، وأيضا المذكور في الآية المؤمنون والذين كفروا بعد الإيمان ولا شبهة أن الكافر الأصلي من أهل النار مع أنه غير داخل تحت هذين القسمين ، فكذا القول في الفساق .
[ ص: 150 ] واعلم أن وجه الاستدلال بالآية هو أنا نقول : الآيات المتقدمة ما كانت إلا في الترغيب في الإيمان بالتوحيد والنبوة وفي الزجر عن الكفر بهما ثم إنه تعالى أتبع ذلك بهذه الآية ، فظاهرها يقتضي أن يكون ، ثم دل ما بعد هذه الآية على أن ابيضاض الوجه نصيبا لمن آمن بالتوحيد والنبوة ، واسوداد الوجه يكون نصيبا لمن أنكر ذلك ، فحينئذ يلزم نفي المنزلة بين المنزلتين ، وأما قوله يشكل هذا بالكافر الأصلي فجوابنا عنه من وجهين . الأول : أن نقول لم لا يجوز أن يكون المراد منه أن كل أحد أسلم وقت استخراج الذرية من صلب صاحب البياض من أهل الجنة ، وصاحب السواد من أهل النار آدم ؟ وإذا كان كذلك كان الكل داخلا فيه . والثاني : وهو أنه تعالى قال في آخر الآية : ( فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) فجعل موجب العذاب هو الكفر من حيث إنه كفر ، لا الكفر من حيث إنه بعد الإيمان ، وإذا وقع التعليل بمطلق الكفر دخل كل الكفار فيه سواء كفر بعد الإيمان ، أو كان كافرا أصليا والله أعلم .