الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم ) وفيه سؤال : وهو أن يقال : لم لم يقتصر على قوله : ( أصابت حرث قوم ) وما الفائدة في قوله : ( ظلموا أنفسهم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : في تفسير قوله : ( ظلموا أنفسهم ) وجهان الأول : أنهم عصوا الله فاستحقوا هلاك حرثهم عقوبة لهم ، والفائدة في ذكره هي أن الغرض تشبيه ما ينفقون بشيء يذهب بالكلية حتى لا يبقى منه شيء ، وحرث الكافرين الظالمين هو الذي يذهب بالكلية ولا يحصل منه منفعة لا في الدنيا ولا في الآخرة ، فأما حرث المسلم المؤمن فلا يذهب بالكلية لأنه وإن كان يذهب صورة فلا يذهب معنى ، لأن الله تعالى يزيد في ثوابه لأجل وصول تلك الأحزان إليه . والثاني : أن يكون المراد من قوله : ( ظلموا أنفسهم ) هو أنهم زرعوا في غير موضع الزرع أو في غير وقته ، لأن الظلم وضع الشيء في غير موضعه ، وعلى هذا التفسير يتأكد وجه التشبيه ، فإن من زرع لا في موضعه ولا في وقته يضيع ، ثم إذا أصابته الريح الباردة كان أولى بأن يصير ضائعا ، فكذا هاهنا الكفار لما أتوا بالإنفاق لا في موضعه ولا في وقته ثم أصابه شؤم كفرهم امتنع أن لا يصير ضائعا ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون ) والمعنى أن الله تعالى ما ظلمهم حيث لم يقبل نفقاتهم ، ولكنهم ظلموا أنفسهم حيث أتوا بها مقرونة بالوجوه المانعة من كونها مقبولة لله تعالى قال صاحب " الكشاف " : قرئ ( ولكن ) بالتشديد بمعنى ولكن أنفسهم يظلمونها ، ولا يجوز أن يراد ، ولكنه أنفسهم يظلمون على إسقاط ضمير الشأن ، لأنه لا يجوز إلا في الشعر .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية