[ ص: 175 ] ( ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور )
قوله تعالى : ( ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور )
واعلم أن هذا نوع آخر من ، وفيه مسائل : تحذير المؤمنين عن مخالطة المنافقين
المسألة الأولى : قال السيد السرخسي سلمه الله : ( ها ) للتنبيه و ( أنتم ) مبتدأ و ( أولاء ) خبره و ( تحبونهم ) في موضع النصب على الحال من اسم الإشارة ، ويجوز أن تكون ( أولاء ) بمعنى الذين و ( تحبونهم ) صلة له ، والموصول مع الصلة خبر ( أنتم ) وقال الفراء ( أولاء ) خبر و ( تحبونهم ) خبر بعد خبر .
المسألة الثانية : أنه تعالى ذكر في هذه الآية أمورا ثلاثة ، كل واحد منها على أن المؤمن لا يجوز أن . فالأول : قوله : ( يتخذ غير المؤمن بطانة لنفسه تحبونهم ولا يحبونكم ) وفيه وجوه . أحدها : قال المفضل : ( تحبونهم ) تريدون لهم الإسلام وهو خير الأشياء ( ولا يحبونكم ) لأنهم يريدون بقاءكم على الكفر ، ولا شك أنه يوجب الهلاك . الثاني : ( تحبونهم ) بسبب ما بينكم وبينهم من الرضاعة والمصاهرة ( ولا يحبونكم ) بسبب كونكم مسلمين . الثالث : ( تحبونهم ) بسبب أنهم أظهروا لكم الإيمان ( ولا يحبونكم ) بسبب أن الكفر مستقر في باطنهم . الرابع : قال أبو بكر الأصم : ( تحبونهم ) بمعنى أنكم لا تريدون إلقاءهم في الآفات والمحن ( ولا يحبونكم ) بمعنى أنهم يريدون إلقاءكم في الآفات والمحن ويتربصون بكم الدوائر . الخامس : ( تحبونهم ) بسبب أنهم يظهرون لكم محبة الرسول ، ومحب المحبوب محبوب ( ولا يحبونكم ) لأنهم يعلمون أنكم تحبون الرسول وهم يبغضون الرسول ، ومحب المبغوض مبغوض . السادس : ( تحبونهم ) أي تخالطونهم ، وتفشون إليهم أسراركم في أمور دينكم ( ولا يحبونكم ) أي لا يفعلون مثل ذلك بكم .
واعلم أن هذه الوجوه التي ذكرناها إشارة إلى الأسباب الموجبة لكون المؤمنين يحبونهم ولكونهم يبغضون المؤمنين ، فالكل داخل تحت الآية ، ولما عرفهم تعالى كونهم مبغضين للمؤمنين وعرفهم أنهم مبطلون في ذلك البغض صار ذلك داعيا من حيث الطبع ، ومن حيث الشرع إلى أن يصير المؤمنون مبغضين لهؤلاء المنافقين .