( ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم )
قوله تعالى : ( ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم )
فيه مسألتان :
المسألة الأولى : أن المقصود من هذا تأكيد ما ذكره أولا من قوله : ( ليس لك من الأمر شيء ) والمعنى أن الأمر إنما يكون لمن له الملك ، فالأمر في السماوات والأرض ليس إلا لله ، وهذا برهان قاطع . وملك السماوات والأرض ليس إلا لله تعالى
المسألة الثانية : إنما ما في السماوات وما في الأرض ) ولم يقل ( من ) لأن المراد الإشارة إلى الحقائق والماهيات ، فدخل فيه الكل . قال : (
أما قوله : ( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) فاعلم أن أصحابنا يحتجون بهذه الآية على أنه سبحانه له أن يدخل الجنة بحكم إلهيته جميع الكفار والمردة ، وله أن يدخل النار بحكم إلهيته جميع المقربين والصديقين وأنه لا اعتراض عليه في فعل هذه الأشياء ، ودلالة الآية على هذا المعنى ظاهرة والبرهان العقلي [ ص: 193 ] يؤكد ذلك أيضا ، وذلك أن فعل العبد يتوقف على الإرادة وتلك الإرادة مخلوقة لله تعالى ، فإذا خلق الله تلك الإرادة أطاع ، وإذا خلق النوع الآخر من الإرادة عصى ، فطاعة العبد من الله ومعصيته أيضا من الله ، وفعل الله لا يوجب على الله شيئا ألبتة ، فلا الطاعة توجب الثواب ، ولا المعصية توجب العقاب ، بل الكل من الله بحكم إلهيته وقهره وقدرته ، فصح ما ادعيناه أنه لو شاء [أن] يعذب جميع المقربين حسن منه ، ولو شاء [أن] يرحم جميع الفراعنة حسن منه ذلك ، وهذا البرهان هو الذي دل عليه ظاهر قوله تعالى : ( يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء )
فإن قيل : أليس أنه ثبت أنه لا يغفر للكفار ولا يعذب الملائكة والأنبياء ؟
قلنا : مدلول الآية أنه لو أراد لفعل ولا اعتراض عليه ، وهذا القدر لا يقتضي أنه يفعل أو لا يفعل ، وهذا الكلام في غاية الظهور .
ثم ختم الكلام بقوله : ( والله غفور رحيم ) والمقصود بيان أنه وإن حسن كل ذلك منه إلا أن لا على سبيل الوجوب بل على سبيل الفضل والإحسان . جانب الرحمة والمغفرة غالب