ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=18980البهتان في اللغة الكذب الذي يواجه الإنسان به صاحبه على جهة المكابرة ، وأصله من بهت الرجل إذا تحير ، فالبهتان كذب يحير الإنسان لعظمته ، ثم جعل كل باطل يتحير من بطلانه " بهتانا " ، ومنه الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012304إذا واجهت أخاك بما ليس فيه فقد بهته " .
المسألة الثانية : في أنه لم انتصب قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20بهتانا ) ؟ وجوه :
الأول : قال
الزجاج : البهتان ههنا مصدر وضع موضع الحال ، والمعنى : أتأخذونه مباهتين وآثمين .
الثاني : قال صاحب الكشاف : يحتمل أنه انتصب لأنه مفعول له وإن لم يكن غرضا في الحقيقة ، كقولك : قعد عن القتال جبنا .
الثالث : انتصب بنزع الخافض ، أي ببهتان .
الرابع : فيه إضمار تقديره : تصيبون به بهتانا وإثما .
المسألة الثالثة : في تسمية هذا الأخذ " بهتانا " وجوه :
الأول : أنه تعالى فرض لها ذلك المهر فمن استرده كان كأنه يقول : ليس ذلك بفرض فيكون بهتانا .
الثاني : أنه عند العقد تكفل بتسليم ذلك المهر إليها ، وأن لا يأخذه منها ، فإذا أخذه صار ذلك القول الأول بهتانا .
الثالث : أنا ذكرنا أنه كان من دأبهم أنهم إذا أرادوا تطليق الزوجة رموها بفاحشة حتى تخاف وتشتري نفسها منه بذلك المهر ، فلما كان هذا الأمر واقعا على هذا الوجه في الأغلب الأكثر ، جعل كأن أحدهما هو الآخر .
الرابع : أنه تعالى ذكر في الآية السابقة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ) والظاهر من حال المسلم أنه لا يخالف أمر الله ، فإذا أخذ منها شيئا أشعر ذلك بأنها قد أتت بفاحشة مبينة ، فإذا لم يكن الأمر كذلك في الحقيقة صح وصف ذلك الأخذ بأنه بهتان ، من حيث إنه يدل على إتيانها بالفاحشة مع أن الأمر ليس كذلك . وفيه تقرير آخر وهو أن أخذ المال طعن في ذاتها وأخذ لمالها ، فهو بهتان من وجه وظلم من وجه آخر ، فكان ذلك معصية عظيمة
nindex.php?page=treesubj&link=21482_27530من أمهات الكبائر .
الخامس : أن عقاب البهتان والإثم المبين كان معلوما عندهم فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20أتأخذونه بهتانا ) معناه أتأخذون عقاب البهتان فهو كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا ) [ النساء : 10 ] .
المسألة الرابعة : قوله : ( أتأخذونه ) استفهام على معنى الإنكار والإعظام ، والمعنى أن الظاهر أنكم لا تفعلون مثل هذا الفعل مع ظهور قبحه في الشرع والعقل .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=18980الْبُهْتَانُ فِي اللُّغَةِ الْكَذِبُ الَّذِي يُوَاجِهُ الْإِنْسَانُ بِهِ صَاحِبَهُ عَلَى جِهَةِ الْمُكَابَرَةِ ، وَأَصْلُهُ مِنْ بُهِتَ الرَّجُلُ إِذَا تَحَيَّرَ ، فَالْبُهْتَانُ كَذِبٌ يُحَيِّرُ الْإِنْسَانَ لِعَظَمَتِهِ ، ثُمَّ جَعَلَ كُلَّ بَاطِلٍ يُتَحَيَّرُ مِنْ بُطْلَانِهِ " بُهْتَانًا " ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012304إِذَا وَاجَهْتَ أَخَاكَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ " .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي أَنَّهُ لِمَ انْتَصَبَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20بُهْتَانًا ) ؟ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : قَالَ
الزَّجَّاجُ : الْبُهْتَانُ هَهُنَا مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الْحَالِ ، وَالْمَعْنَى : أَتَأْخُذُونَهُ مُبَاهِتِينَ وَآثِمِينَ .
الثَّانِي : قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ : يُحْتَمَلُ أَنَّهُ انْتَصَبَ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضًا فِي الْحَقِيقَةِ ، كَقَوْلِكَ : قَعَدَ عَنِ الْقِتَالِ جُبْنًا .
الثَّالِثُ : انْتَصَبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ ، أَيْ بِبُهْتَانٍ .
الرَّابِعُ : فِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ : تُصِيبُونَ بِهِ بُهْتَانًا وَإِثْمًا .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : فِي تَسْمِيَةِ هَذَا الْأَخْذِ " بُهْتَانًا " وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّهُ تَعَالَى فَرَضَ لَهَا ذَلِكَ الْمَهْرَ فَمَنِ اسْتَرَدَّهُ كَانَ كَأَنَّهُ يَقُولُ : لَيْسَ ذَلِكَ بِفَرْضٍ فَيَكُونُ بُهْتَانًا .
الثَّانِي : أَنَّهُ عِنْدَ الْعَقْدِ تَكَفَّلَ بِتَسْلِيمِ ذَلِكَ الْمَهْرِ إِلَيْهَا ، وَأَنْ لَا يَأْخُذَهُ مِنْهَا ، فَإِذَا أَخَذَهُ صَارَ ذَلِكَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ بُهْتَانًا .
الثَّالِثُ : أَنَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ دَأْبِهِمْ أَنَّهُمْ إِذَا أَرَادُوا تَطْلِيقَ الزَّوْجَةِ رَمَوْهَا بِفَاحِشَةٍ حَتَّى تَخَافَ وَتَشْتَرِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِذَلِكَ الْمَهْرِ ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْأَمْرُ وَاقِعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ ، جُعِلَ كَأَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ الْآخَرُ .
الرَّابِعُ : أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ) وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ أَمْرَ اللَّهِ ، فَإِذَا أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا أَشْعَرَ ذَلِكَ بِأَنَّهَا قَدْ أَتَتْ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ صَحَّ وَصْفُ ذَلِكَ الْأَخْذِ بِأَنَّهُ بُهْتَانٌ ، مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى إِتْيَانِهَا بِالْفَاحِشَةِ مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ . وَفِيهِ تَقْرِيرٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ أَخْذَ الْمَالِ طَعْنٌ فِي ذَاتِهَا وَأَخْذٌ لِمَالِهَا ، فَهُوَ بُهْتَانٌ مِنْ وَجْهٍ وَظُلْمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، فَكَانَ ذَلِكَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً
nindex.php?page=treesubj&link=21482_27530مِنْ أُمَّهَاتِ الْكَبَائِرِ .
الْخَامِسُ : أَنَّ عِقَابَ الْبُهْتَانِ وَالْإِثْمِ الْمُبِينِ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=20أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا ) مَعْنَاهُ أَتَأْخَذُونَ عِقَابَ الْبُهْتَانِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ) [ النِّسَاءِ : 10 ] .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : ( أَتَأْخُذُونَهُ ) اسْتِفْهَامٌ عَلَى مَعْنَى الْإِنْكَارِ وَالْإِعْظَامِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّكُمْ لَا تَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا الْفِعْلِ مَعَ ظُهُورِ قُبْحِهِ فِي الشَّرْعِ وَالْعَقْلِ .