المسألة الرابعة : مذهب - رضي الله عنه - : أن الشافعي ، اثنان منها في الناكح ، والثالث في المنكوحة ، أما اللذان في الناكح ، فأحدهما : أن يكون غير واجد لما يتزوج به الحرة المؤمنة من الصداق ، وهو معنى قوله : ( الله تعالى شرط في نكاح الإماء شرائط ثلاثة ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات ) فعدم استطاعة الطول عبارة عن عدم ما ينكح به الحرة .
فإن قيل : الرجل إذا كان يستطيع التزوج بالأمة يقدر على التزوج بالحرة الفقيرة ، فمن أين هذا التفاوت ؟
قلنا : كانت العادة في الإماء تخفيف مهورهن ونفقتهن لاشتغالهن بخدمة السادات ، وعلى هذا التقدير يظهر هذا التفاوت .
وأما الشرط الثاني : فهو المذكور في آخر الآية وهو قوله : ( ذلك لمن خشي العنت منكم ) أي بلغ الشدة في العزوبة .
وأما الشرط الثالث المعتبر في المنكوحة : فأن تكون الأمة مؤمنة لا كافرة ، فإن الأمة إذا كانت كافرة كانت ناقصة من وجهين : الرق والكفر ، ولا شك أن الولد تابع للأم في الحرية والرق ، وحينئذ يعلق الولد رقيقا على ملك الكافر ، فيحصل فيه نقصان الرق ونقصان كونه ملكا للكافر ، فهذه الشرائط الثلاثة معتبرة عند في جواز نكاح الأمة . الشافعي
وأما - رضي الله عنه - فيقول : إذا كان أبو حنيفة ، أما إذا لم يكن تحته حرة جاز له ذلك ، سواء قدر على نكاح الحرة أو لم يقدر ، واحتج تحته حرة لم يجز له نكاح الأمة على قوله بهذه الآية ، وتقريره من وجهين : الشافعي
الأول : أنه تعالى ذكر عدم القدرة على طول الحرة ، ثم ذكر عقيبه التزوج بالأمة ، وذلك الوصف يناسب هذا الحكم ؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى الجماع ، فإذا لم يقدر على جماع الحرة بسبب كثرة مؤنتها ومهرها ، وجب أن يؤذن له في نكاح الأمة ، إذا ثبت هذا فنقول : الحكم إذا كان مذكورا عقيب وصف يناسبه ، فذلك الاقتران في الذكر يدل على كون ذلك الحكم معللا بذلك الوصف ، إذا ثبت هذا فنقول : لو كان نكاح الأمة جائزا بدون القدرة على طول الحرة ومع القدرة عليه لم يكن لعدم هذه القدرة أثر في هذا الحكم البتة ، لكنا بينا دلالة الآية على أن له أثرا في هذا الحكم ، فثبت أنه لا يجوز . التزوج بالأمة مع القدرة [ ص: 48 ] على طول الحرة
الثاني : أن نتمسك بالآية على سبيل المفهوم ، وهو أن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه ، والدليل عليه أن القائل إذا قال : الميت اليهودي لا يبصر شيئا ، فإن كل أحد يضحك من هذا الكلام ويقول : إذا كان غير اليهودي أيضا لا يبصر فما فائدة التقييد بكونه يهوديا ؟ فلما رأينا أن أهل العرف يستقبحون هذا الكلام ويعللون ذلك الاستقباح بهذه العلة ، علمنا اتفاق أرباب اللسان على أن التقييد بالصفة يقتضي نفي الحكم في غير محل القيد ، قال : تخصيص هذه الحالة بذكر الإباحة فيها لا يدل على حظر ما عداه ، كقوله تعالى : ( أبو بكر الرازي ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق ) [ الإسراء : 31 ] ولا دلالة فيه على إباحة القتل عند زوال هذه الحالة ، وقوله : ( لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ) [ آل عمران : 130 ] لا دلالة فيه على إباحة الأكل عند زوال هذه الحالة ، فيقال له : ظاهر اللفظ يقتضي ذلك ، إلا أنه ترك العمل به بدليل منفصل ، كما أن عندك ظاهر الأمر للوجوب ، وقد يترك العمل به في صور كثيرة لدليل منفصل ، والسؤال الجيد على التمسك بالآية ما ذكرناه ، حيث قلنا : لم لا يجوز أن يكون المراد من النكاح الوطء ؟ والتقدير : ومن لم يستطع منكم وطء الحرة ، وذلك عند من لا يكون تحته حرة ، فإنه يجوز له نكاح الأمة ، وعلى هذا التقدير تنقلب الآية حجة . لأبي حنيفة
وجوابه : أن أكثر المفسرين فسروا الطول بالغنى ، وعدم الغنى تأثيره في عدم القدرة على العقد لا في عدم القدرة على الوطء ، واحتج على صحة قوله بالعمومات كقوله تعالى : ( أبو بكر الرازي فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) [ النساء : 3 ] ، وقوله : ( وأنكحوا الأيامى منكم ) ، وقوله : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم ) ، وقوله : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب ) وهو متناول للإماء الكتابيات . والمراد من هذا الإحصان العفة .
والجواب : أن آيتنا خاصة ، والخاص مقدم على العام ، ولأنه دخلها التخصيص فيما إذا كان تحته حرة ، وإنما خصت صونا للولد ، عن الإرقاق ، وهو قائم في محل النزاع .