ثم قال تعالى : ( فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب ) . وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ( أحصن ) بالفتح في الألف ، والباقون بضم الألف ، فمن فتح فمعناه : أسلمن ، هكذا قاله عمر وابن مسعود والشعبي والنخعي والسدي ، ومن ضم الألف فمعناه : أنهن أحصن بالأزواج ، هكذا قاله ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن . ومنهم من طعن في الوجه الأول فقال : إنه تعالى وصف الإماء بالإيمان في قوله : ( ومجاهد فتياتكم المؤمنات ) ومن البعيد أن يقال فتياتكم المؤمنات ، ثم يقال : فإذا آمن ، فإن حالهن كذا وكذا ، ويمكن أن يجاب عنه بأنه تعالى ذكر حكمين : الأول : حال نكاح الإماء ، فاعتبر الإيمان فيه بقوله : ( من فتياتكم المؤمنات ) والثاني : حكم ما يجب عليهن عند إقدامهن على الفاحشة ، فذكر حال إيمانهن أيضا في هذا الحكم ، وهو قوله : ( فإذا أحصن ) .
المسألة الثانية : في الآية إشكال قوي ، وهو أن المحصنات في قوله : ( فعليهن نصف ما على المحصنات ) إما أن يكون المراد منه الحرائر المتزوجات ، أو المراد منه الحرائر الأبكار ، والسبب في إطلاق اسم المحصنات عليهن حريتهن ، والأول مشكل ؛ لأن : الرجم ، فهذا يقتضي أن يجب في الواجب على الحرائر المتزوجات في الزنا نصف الرجم ، ومعلوم أن ذلك باطل ، والثاني : وهو أن يكون المراد الحرائر الأبكار ، فنصف ما عليهن هو خمسون جلدة ، وهذا القدر واجب في زنا الأمة سواء كانت محصنة أو لم تكن ، فحينئذ يكون هذا الحكم معلقا بمجرد صدور الزنا عنهن ، وظاهر الآية يقتضي كونه معلقا بمجموع الأمرين : الإحصان والزنا ؛ لأن قوله : ( زنا الإماء فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة ) شرط بعد شرط ، فيقتضي كون الحكم مشروطا بهما نصا ، فهذا إشكال قوي في الآية .
والجواب : أنا نختار القسم الثاني ، وقوله : ( فإذا أحصن ) ليس المراد منه جعل هذا الإحصان شرطا لأن يجب في زناها خمسون جلدة ، بل المعنى أن حد الزنا يغلظ عند التزوج ، فهذه إذا زنت وقد تزوجت فحدها خمسون جلدة لا يزيد عليه ، فبأن يكون قبل التزوج هذا القدر أيضا أولى ، وهذا مما يجري مجرى المفهوم بالنص ؛ لأن عند حصول ما يغلظ الحد ، لما وجب تخفيف الحد لمكان الرق ، فبأن يجب هذا القدر عندما لا يوجد ذلك المغلظ كان أولى والله أعلم .