الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : قالت المعتزلة : إن عقاب قطرة من الخمر يزيل ثواب الإيمان والطاعة مدة مائة سنة . وقال أصحابنا : هذا باطل ؛ لأنا نعلم بالضرورة أن ثواب كل تلك الطاعات العظيمة تلك السنين المتطاولة أزيد من عقاب شرب هذه القطرة ، فإسقاط ذلك الثواب العظيم بعقاب هذا القدر من المعصية ظلم ، وإنه منفي بهذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة السادسة : قال الجبائي : إن عقاب الكبيرة يحبط ثواب جملة الطاعات ، ولا ينحبط من ذلك العقاب شيء . وقال ابنه أبو هاشم : بل ينحبط . واعلم أن هذا المشروع صار حجة قوية لأصحابنا في بطلان القول بالإحباط فإنا نقول : لو انحبط ذلك الثواب لكان إما أن يحبط مثله من العقاب أو لا يحبط ، والقسمان باطلان ، فالقول بالإحباط باطل . إنما قلنا : إنه لا يجوز انحباط كل واحد منهما بالآخر ؛ لأنه إذا كان سبب عدم كل واحد منهما وجود الآخر فلو حصل العدمان معا لحصل الوجدان معا ضرورة أن العلة لا بد وأن تكون حاصلة مع المعلول ، وذلك محال . وإنما قلنا : إنه لا يجوز انحباط الطاعة بالمعصية مع أن المعصية لا تنحبط بالطاعة ؛ لأن تلك الطاعات لم ينتفع العبد بها البتة ، لا في جلب ثواب ولا في دفع عقاب ، وذلك ظلم ، وهو ينافي قوله تعالى : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) ولما بطل القسمان ثبت القول بفساد الإحباط على ما تقوله المعتزلة .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية