النوع الثاني : من الأمور التي اشتملت عليها هذه الآية :
وإن تك حسنة يضاعفها ) وفيه مسائل : قوله تعالى : (
المسألة الأولى : قرأ نافع وابن كثير " حسنة " بالرفع على تقديره " كان " التامة ، والمعنى : وإن حدثت حسنة ، أو وقعت حسنة ، والباقون بالنصب على تقدير " كان " الناقصة والتقدير : وإن تك زنة الذرة حسنة . وقرأ ابن كثير وابن عامر " يضعفها " بالتشديد من غير ألف ، من التضعيف ، والباقون " يضاعفها " بالألف والتخفيف ، من المضاعفة .
المسألة الثانية : تك : أصله من " كان يكون " ، وأصله " تكون " سقطت الضمة للجزم ، وسقطت الواو لسكونها وسكون النون ، فصار " تكن " ، ثم حذفوا النون أيضا لأنها ساكنة . وهي تشبه حروف اللين ، وحروف اللين إذا وقعت طرفا سقطت للجزم ، كقولك : لم أدر ، أي لا أدري ، وجاء القرآن بالحذف والإثبات ، أما الحذف فههنا ، وأما الإثبات ، فكقوله : ( إن يكن غنيا أو فقيرا ) [ النساء : 135 ] .
المسألة الثالثة : أن الله تعالى بين بقوله : ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) أنه لا يبخسهم حقهم أصلا ، وبين بهذه الآية أن الله تعالى يزيدهم على استحقاقهم .
واعلم أن المراد من هذه المضاعفة ليس هو المضاعفة في المدة ؛ لأن مدة الثواب غير متناهية ، وتضعيف غير المتناهي محال ، بل المراد أنه تعالى يضعفه بحسب المقدار : مثلا يستحق على طاعته عشرة أجزاء من الثواب ، فيجعله عشرين جزءا ، أو ثلاثين جزءا ، أو أزيد . روي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال : يؤتى بالعبد يوم القيامة وينادي مناد على رءوس الأولين والآخرين : هذا فلان ابن فلان ، من كان له عليه حق فليأت إلى حقه ، ثم يقال له : أعط هؤلاء حقوقهم ، فيقول : يا رب من أين وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقول الله لملائكته : انظروا في أعماله الصالحة فأعطوهم منها ، فإن بقي مثقال ذرة من حسنة ضعفها الله تعالى لعبده وأدخله الجنة بفضله ورحمته . مصداق ذلك في كتاب الله تعالى : ( وإن تك حسنة يضاعفها ) وقال الحسن : قوله : ( وإن تك حسنة يضاعفها ) هذا أحب إلى العلماء مما لو قال : في الحسنة الواحدة مائة ألف حسنة ؛ لأن ذلك الكلام يكون مقداره معلوما ، أما على هذه العبارة ، فلا يعلم كمية ذلك التضعيف إلا الله تعالى ، وهو كقوله في ليلة القدر إنها خير من ألف شهر . وقال : بلغني عن أبو عثمان النهدي أنه قال : إن الله ليعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة ، فقدر الله أن ذهبت إلى أبي هريرة مكة حاجا أو معتمرا ، فألفيته ، فقلت : بلغني عنك أنك تقول : إن الله يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة ، قال : لم أقل ذلك ، ولكن قلت : إن الحسنة تضاعف بألفي ألف ضعف ، ثم تلا هذه الآية وقال : إذا قال الله : ( أبو هريرة أجرا عظيما ) فمن يقدر قدره .