( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )
قوله تعالى : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا )
وجه النظم هو أنه تعالى بين أن في الآخرة لا يجري على أحد ظلم ، وأنه تعالى يجازي المحسن على إحسانه ويزيده على قدر حقه ، فبين تعالى في هذه الآية أن ذلك يجري بشهادة ، لتكون الحجة على المسيء أبلغ ، والتبكيت له أعظم ، وحسرته أشد ، ويكون سرور من قبل ذلك من الرسول وأظهر الطاعة أعظم ، ويكون هذا وعيدا للكفار الذين قال الله فيهم : ( الرسل الذين جعلهم الله الحجة على الخلق إن الله لا يظلم مثقال ذرة ) ووعدا للمطيعين الذين قال الله فيهم : ( وإن تك حسنة يضاعفها ) . وفيه مسائل :
المسألة الأولى : : " اقرأ القرآن علي " قال : فقلت : يا رسول الله أنت الذي علمتنيه فقال : " أحب أن أسمعه من غيري " قال لابن مسعود ابن مسعود : فافتتحت سورة النساء ، فلما انتهيت إلى هذه الآية بكى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال ابن مسعود : فأمسكت عن القراءة . وذكر روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال السدي أن محمد - صلى الله عليه وسلم - يشهدون للرسل بالبلاغ ، أمة ؛ فلهذا قال : ( والرسول - صلى الله عليه وسلم - يشهد لأمته بالتصديق جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) [ البقرة : 143 ] وحكي عن عيسى - عليه السلام - أنه قال : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) [ المائدة : 117 ] .
المسألة الثانية : من عادة العرب أنهم يقولون في الشيء الذي يتوقعونه : كيف بك إذا كان كذا وكذا ، وإذا فعل فلان كذا ، وإذا جاء وقت كذا ، فمعنى هذا الكلام : كيف ترون يوم القيامة إذا استشهد الله على كل أمة برسولها ، واستشهدك على هؤلاء ؟ يعني قومه المخاطبين بالقرآن الذين شاهدهم وعرف أحوالهم . ثم إن أهل كل عصر يشهدون على غيرهم ممن شاهدوا أحوالهم ، وعلى هذا الوجه قال عيسى - عليه السلام : ( وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم ) [ المائدة : 117 ]
.