الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثالثة : في كيفية التحريف وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر مثل تحريفهم اسم " ربعة " عن موضعه في التوراة بوضعهم " آدم طويل " مكانه ، ونحو تحريفهم " الرجم " بوضعهم " الحد " بدله ، ونظيره قوله تعالى : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) [ البقرة : 79 ] .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : كيف يمكن هذا في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهور في الشرق والغرب ؟

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا لعله يقال : القوم كانوا قليلين ، والعلماء بالكتاب كانوا في غاية القلة ، فقدروا على هذا التحريف .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن المراد بالتحريف : إلقاء الشبه الباطلة ، والتأويلات الفاسدة ، وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية ، كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم ، وهذا هو الأصح .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أنهم كانوا يدخلون على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به ، فإذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه .

                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الرابعة : ذكر الله تعالى ههنا : ( عن مواضعه ) وفي المائدة ( من بعد مواضعه ) [ المائدة : 41 ] والفرق أنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الباطلة ، فههنا قوله : ( يحرفون الكلم عن مواضعه ) معناه : أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص ، وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                                            وأما الآية المذكورة في سورة المائدة ، فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين ، فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة ، وكانوا يخرجون اللفظ أيضا من الكتاب ، فقوله : ( يحرفون الكلم ) إشارة إلى التأويل الباطل ، وقوله : ( من بعد مواضعه ) إشارة إلى إخراجه عن الكتاب .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية