المسألة الرابعة : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) كالتصريح بأنه ليس لجميع الناس أن يشرعوا في الحكم ، بل ذلك لبعضهم ، ثم بقيت الآية مجملة في أنه بأي طريق يصير حاكما ؟ ولما دلت سائر الدلائل على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=7685لا بد للأمة من الإمام الأعظم ، وأنه هو الذي ينصب القضاة والولاة في البلاد ، صارت تلك الدلائل كالبيان لما في هذه الآية من الإجمال .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله نعما يعظكم به ) أي نعم شيء يعظكم به ، أو نعم الذي يعظكم به ، والمخصوص بالمدح محذوف ، أي نعم شيء يعظكم به ذاك ، وهو المأمور من
nindex.php?page=treesubj&link=32455أداء الأمانات والحكم بالعدل .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله كان سميعا بصيرا ) أي اعملوا بأمر الله ووعظه ، فإنه أعلم بالمسموعات والمبصرات يجازيكم على ما يصدر منكم ، وفيه دقيقة أخرى ، وهي أنه تعالى لما أمر في هذه الآيات بالحكم على سبيل العدل وبأداء الأمانة قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله كان سميعا بصيرا ) أي إذا حكمت بالعدل فهو سميع لكل المسموعات يسمع ذلك الحكم ، وإن أديت الأمانة فهو بصير لكل المبصرات يبصر ذلك ، ولا شك أن هذا أعظم أسباب الوعد للمطيع ، وأعظم أسباب الوعيد للعاصي ، وإليه الإشارة بقوله - عليه الصلاة والسلام - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012406اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وفيه دقيقة أخرى ، وهي أنه كلما كان احتياج العبد أشد كانت عناية الله أكمل ، والقضاة والولاة قد فوض الله إلى أحكامهم مصالح العباد ، فكان الاهتمام بحكمهم وقضائهم أشد ،
nindex.php?page=treesubj&link=29682_29442فهو سبحانه منزه عن الغفلة والسهو والتفاوت في إبصار المبصرات وسماع المسموعات ، ولكن لو فرضنا أن هذا التفاوت كان ممكنا لكان أولى المواضع بالاحتراز عن الغفلة والنسيان هو وقت حكم الولاة والقضاة ، فلما كان هذا الموضع مخصوصا بمزيد العناية لا جرم قال في خاتمة هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله كان سميعا بصيرا ) فما أحسن هذه المقاطع الموافقة لهذه المطالع .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) كَالتَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِجَمِيعِ النَّاسِ أَنْ يَشْرَعُوا فِي الْحُكْمِ ، بَلْ ذَلِكَ لِبَعْضِهِمْ ، ثُمَّ بَقِيَتِ الْآيَةُ مُجْمَلَةً فِي أَنَّهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ يَصِيرُ حَاكِمًا ؟ وَلَمَّا دَلَّتْ سَائِرُ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=7685لَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ مِنَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُنَصِّبُ الْقُضَاةَ وَالْوُلَاةَ فِي الْبِلَادِ ، صَارَتْ تِلْكَ الدَّلَائِلُ كَالْبَيَانِ لِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ الْإِجْمَالِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ) أَيْ نِعْمَ شَيْءٌ يَعِظُكُمْ بِهِ ، أَوْ نِعْمَ الَّذِي يَعِظُكُمْ بِهِ ، وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ ، أَيْ نِعْمَ شَيْءٌ يَعِظُكُمْ بِهِ ذَاكَ ، وَهُوَ الْمَأْمُورُ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32455أَدَاءِ الْأَمَانَاتِ وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) أَيِ اعْمَلُوا بِأَمْرِ اللَّهِ وَوَعْظِهِ ، فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصَرَاتِ يُجَازِيكُمْ عَلَى مَا يَصْدُرُ مِنْكُمْ ، وَفِيهِ دَقِيقَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بِالْحُكْمِ عَلَى سَبِيلِ الْعَدْلِ وَبِأَدَاءِ الْأَمَانَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) أَيْ إِذَا حَكَمْتَ بِالْعَدْلِ فَهُوَ سُمَيْعٌ لِكُلِّ الْمَسْمُوعَاتِ يَسْمَعُ ذَلِكَ الْحُكْمَ ، وَإِنْ أَدَّيْتَ الْأَمَانَةَ فَهُوَ بَصِيرٌ لِكُلِّ الْمُبْصَرَاتِ يُبْصِرُ ذَلِكَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَعْظَمُ أَسْبَابِ الْوَعْدِ لِلْمُطِيعِ ، وَأَعْظَمُ أَسْبَابِ الْوَعِيدِ لِلْعَاصِي ، وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16012406اعْبُدِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ " وَفِيهِ دَقِيقَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّهُ كُلَّمَا كَانَ احْتِيَاجُ الْعَبْدِ أَشَدَّ كَانَتْ عِنَايَةُ اللَّهِ أَكْمَلَ ، وَالْقُضَاةُ وَالْوُلَاةُ قَدْ فَوَّضَ اللَّهُ إِلَى أَحْكَامِهِمْ مَصَالِحَ الْعِبَادِ ، فَكَانَ الِاهْتِمَامُ بِحُكْمِهِمْ وَقَضَائِهِمْ أَشَدَّ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29682_29442فَهُوَ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْغَفْلَةِ وَالسَّهْوِ وَالتَّفَاوُتِ فِي إِبْصَارِ الْمُبْصَرَاتِ وَسَمَاعِ الْمَسْمُوعَاتِ ، وَلَكِنْ لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ هَذَا التَّفَاوُتَ كَانَ مُمْكِنًا لَكَانَ أَوْلَى الْمَوَاضِعِ بِالِاحْتِرَازِ عَنِ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ هُوَ وَقْتُ حُكْمِ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ ، فَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ مَخْصُوصًا بِمَزِيدِ الْعِنَايَةِ لَا جَرَمَ قَالَ فِي خَاتِمَةِ هَذِهِ الْآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) فَمَا أَحْسَنَ هَذِهِ الْمَقَاطِعَ الْمُوَافِقَةَ لِهَذِهِ الْمَطَالِعِ .