ثم قال تعالى : ( فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه لما كان البرهان الدال على أن على الوجه الذي لخصناه في غاية الظهور والجلاء ، قال تعالى : ( كل ما سوى الله مستندا إلى الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا ) وهذا يجري مجرى التعجب من عدم وقوفهم على صحة هذا الكلام مع ظهوره . قالت المعتزلة : بل هذه الآية دالة على صحة قولنا ، لأنه لو كان حصول الفهم والمعرفة بتخليق الله تعالى لم يبق لهذا التعجب معنى البتة ، لأن السبب في عدم حصول هذه المعرفة هو أنه تعالى ما خلقها وما أوجدها ، وذلك يبطل هذا التعجب ، فحصول هذا التعجب يدل على أنه إنما تحصل بإيجاد العبد لا بإيجاد الله تعالى .
واعلم أن هذا الكلام ليس إلا التمسك بطريقة المدح والذم ، وقد ذكرنا أنها معارضة بالعلم .
المسألة الثانية : قالت المعتزلة : أجمع المفسرون على أن المراد من قوله : ( لا يكادون يفقهون حديثا ) أنهم لا يفقهون هذه الآية المذكورة في هذا الموضع ، وهذا يقتضي وصف القرآن بأنه حديث ، والحديث فعيل بمعنى مفعول ، فيلزم منه أن يكون القرآن محدثا .
والجواب : مرادكم بالقرآن ليس إلا هذه العبارات ، ونحن لا ننازع في كونها محدثة .
المسألة الثالثة : الفقه : الفهم ، يقال أوتي فلان فقها ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " لابن عباس فقهه في التأويل " أي فهمه .