( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا )
قوله تعالى : ( إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله قد ضلوا ضلالا بعيدا إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا ) .
اعلم أن هذا من اليهود الذين تقدم ذكرهم ، والمراد أنهم كفروا صفات بمحمد وبالقرآن وصدوا غيرهم عن سبيل الله ، وذلك بإلقاء الشبهات في قلوبهم نحو قولهم : لو كان رسولا لأتى بكتابه دفعة واحدة من السماء كما نزلت التوراة على موسى ، وقولهم : إن الله تعالى ذكر في التوراة أن شريعة موسى لا تبدل ولا تنسخ إلى يوم القيامة ، وقولهم : إن الأنبياء لا يكونون إلا من ولد هارون وداود ، وقوله : ( قد ضلوا ضلالا بعيدا ) وذلك لأن ، ثم إنه يتوسل بذلك الضلال إلى اكتساب المال والجاه ، ثم إنه يبذل كنه جهده في إلقاء غيره في مثل ذلك الضلال ، فهذا الإنسان لا شك أنه قد بلغ في الضلال إلى أقصى الغايات وأعظم النهايات ، فلهذا قال تعالى في حقهم : ( أشد الناس ضلالا من كان ضالا ويعتقد في نفسه أنه محق قد ضلوا ضلالا بعيدا ) ولما وصف تعالى كيفية ضلالهم ذكر بعده وعيدهم فقال : ( إن الذين كفروا وظلموا ) محمدا بكتمان ذكر بعثته وظلموا عوامهم بإلقاء الشبهات في قلوبهم ( لم يكن الله ليغفر لهم ) .
واعلم أنا إن حملنا قوله : ( إن الذين كفروا ) على المعهود السابق لم يحتج إلى إضمار شرط في هذا الوعيد ، لأنا نحمل الوعيد في الآية على أقوام علم الله منهم أنهم يموتون على الكفر ، وإن حملناه على الاستغراق أضمرنا فيه شرط عدم التوبة ، ثم قال : ( ولا ليهديهم طريقا إلا طريق جهنم ) .
ثم قال تعالى : ( خالدين فيها أبدا ) والمعنى أنه تعالى لا يهديهم يوم القيامة إلى الجنة بل يهديهم إلى طريق جهنم ( وكان ذلك على الله يسيرا ) انتصب خالدين على الحال ، والعامل فيه معنى لا ليهديهم لأنه [ ص: 90 ] بمنزلة نعاقبهم خالدين ، وانتصب ( أبدا ) على الظرف : ( وكان ذلك على الله يسيرا ) والمعنى لا يتعذر عليه شيء فكان إيصال الألم إليهم شيئا بعد شيء إلى غير النهاية يسيرا عليه وإن كان متعذرا على غيره .