الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            والمراد بالذين يختانون أنفسهم طعمة ومن عاونه من قومه ، ممن علم كونه سارقا ، والاختيان كالخيانة ، يقال : خانه واختانه ، وذكرنا ذلك عند قوله تعالى : ( علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ) [البقرة : 187] . وإنما قال تعالى لطعمة ولمن ذب عنهم : إنهم يختانون أنفسهم ؛ لأن من أقدم على المعصية فقد حرم نفسه الثواب ، وأوصلها إلى العقاب ، فكان ذلك منه خيانة مع نفسه ، ولهذا المعنى يقال لمن ظلم غيره : إنه ظلم نفسه .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أن في الآية تهديدا شديدا ؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما مال طبعه قليلا إلى جانب طعمة ، وكان في علم الله أن طعمة كان فاسقا ، فالله تعالى عاتب رسوله على ذلك القدر من إعانة المذنب ، فكيف حال من يعلم من الظالم -كونه ظالما -ثم يعينه على ذلك الظلم ، بل يحمله عليه ويرغبه فيه أشد الترغيب ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ) قال المفسرون : إن طعمة خان في الدرع ، وأثم في نسبة اليهودي إلى تلك السرقة ، فلا جرم قال الله تعالى : ( إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ) .

                                                                                                                                                                                                                                            [ ص: 29 ] فإن قيل : لم قال ( خوانا أثيما ) مع أن الصادر عنه خيانة واحدة وإثم واحد ؟ .

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : علم الله تعالى أنه كان في طبع ذلك الرجل الخيانة الكثيرة والإثم الكثير ، فذكر اللفظ الدال على المبالغة بسبب ما كان في طبعه من الميل إلى ذلك ، ويدل عليه ما رويناه أنه بعد هذه الواقعة هرب إلىمكة وارتد ، ونقب حائط إنسان لأجل السرقة ، فسقط الحائط عليه ومات ، ومن كان خاتمته كذلك لم يشك في خيانته ، وأيضا طلب من النبي عليه الصلاة والسلام أن يدفع السرقة عنه ويلحقها باليهودي ، وهذا يبطل رسالة الرسول ، ومن حاول إبطال رسالة الرسول ، وأراد إظهار كذبه فقد كفر ، فلهذا المعنى وصفه الله بالمبالغة في الخيانة والإثم .

                                                                                                                                                                                                                                            وقيل : إذا عثرت من رجل على سيئة فاعلم أن لها أخوات . عن عمر -رضي الله عنه- أنه أمر بقطع يد سارق ، فجاءت أمه تبكي ، وتقول : هذه أول سرقة سرقها فاعف عنه ، فقال : كذبت إن الله لا يؤاخذ عبده في أول الأمر . واعلم أنه تعالى لما خص هذا الوعيد بمن كان عظيم الخيانة والإثم دل ذلك على أن من كان قليل الخيانة والإثم فهو خارج عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية