الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الثامنة والثلاثون : اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما ، فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر : أن الواجب فيهما المسح ، وهو مذهب الإمامية من الشيعة . وقال جمهور الفقهاء والمفسرين : فرضهما الغسل ، وقال داود الأصفهاني : يجب الجمع بينهما وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية . وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري : المكلف مخير بين المسح والغسل .

                                                                                                                                                                                                                                            حجة من قال بوجوب المسح مبني على القراءتين المشهورتين في قوله : ( وأرجلكم ) فقرأ ابن كثير وحمزة وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر عنه بالجر ، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه بالنصب ، فنقول : أما القراءة بالجر فهي تقتضي كون الأرجل معطوفة على الرءوس ، فكما وجب المسح في الرأس فكذلك في الأرجل .

                                                                                                                                                                                                                                            فإن قيل : لم لا يجوز أن يقال : هذا كسر على الجوار كما في قوله : " جحر ضب خرب " ، وقوله :


                                                                                                                                                                                                                                            كبير أناس في بجاد مزمل

                                                                                                                                                                                                                                            قلنا : هذا باطل من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الكسر على الجوار معدود في اللحن الذي يتحمل لأجل الضرورة في الشعر ، وكلام الله يجب تنزيهه عنه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : أن الكسر إنما يصار إليه حيث يحصل الأمن من الالتباس كما في قوله : " جحر ضب خرب " ، فإن من المعلوم بالضرورة أن الخرب لا يكون نعتا للضب بل للجحر ، وفي هذه الآية الأمن من الالتباس غير حاصل .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : أن الكسر بالجوار إنما يكون بدون حرف العطف ، وأما مع حرف العطف فلم تتكلم به العرب ، وأما القراءة بالنصب فقالوا أيضا : إنها توجب المسح ، وذلك لأن قوله : ( وامسحوا برءوسكم ) " فرءوسكم " في محل النصب ولكنها مجرورة بالباء ، فإذا عطفت الأرجل على الرءوس جاز في الأرجل النصب عطفا على محل الرءوس ، والجر عطفا على الظاهر ، وهذا مذهب مشهور للنحاة .

                                                                                                                                                                                                                                            إذا ثبت هذا فنقول : ظهر أنه يجوز أن يكون عامل النصب في قوله : ( وأرجلكم ) هو قوله : ( وامسحوا ) ويجوز أن يكون هو قوله : ( فاغسلوا ) لكن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى ، فوجب أن يكون عامل النصب في قوله : ( وأرجلكم ) هو قوله : ( وامسحوا ) فثبت أن قراءة ( وأرجلكم ) [ ص: 128 ] بنصب اللام توجب المسح أيضا ، فهذا وجه الاستدلال بهذه الآية على وجوب المسح ، ثم قالوا : ولا يجوز دفع ذلك بالأخبار لأنها بأسرها من باب الآحاد ، ونسخ القرآن بخبر الواحد لا يجوز .

                                                                                                                                                                                                                                            واعلم أنه لا يمكن الجواب عن هذا إلا من وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الأخبار الكثيرة وردت بإيجاب الغسل ، والغسل مشتمل على المسح ولا ينعكس ، فكان الغسل أقرب إلى الاحتياط فوجب المصير إليه ، وعلى هذا الوجه يجب القطع بأن غسل الرجل يقوم مقام مسحها .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أن فرض الرجلين محدود إلى الكعبين ، والتحديد إنما جاء في الغسل لا في المسح ، والقوم أجابوا عنه بوجهين :

                                                                                                                                                                                                                                            الأول : أن الكعب عبارة عن العظم الذي تحت مفصل القدم ، وعلى هذا التقدير فيجب المسح على ظهر القدمين .

                                                                                                                                                                                                                                            والثاني : أنهم سلموا أن الكعبين عبارة عن العظمين الناتئين من جانبي الساق ، إلا أنهم التزموا أنه يجب أن يمسح ظهور القدمين إلى هذين الموضعين ، وحينئذ لا يبقى هذا السؤال .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية