الطرف الخامس : في سائر الفوائد وفيه مسائل :
المسألة الأولى : احتج أصحابنا بهذه الآية على بطلان الخوارج في أن الزنا والقذف كفر من وجهين : قول
الأول : أن الرامي إن صدق فهي زانية ، وإن كذب فهو قاذف فلا بد على قولهم من وقوع الكفر من أحدهما ، وذلك يكون ردة فيجب على هذا أن تقع الفرقة ولا لعان أصلا ، وأن تكون فرقة الردة حتى لا يتعلق بذلك توارث البتة .
الثاني : أن الكفر إذا ثبت عليها بلعانه ، فالواجب أن تقتل لا أن تجلد أو ترجم ، لأن عقوبة المرتد مباينة للحد في الزنا .
المسألة الثانية : الآية دالة على بطلان قول من يقول : إن يفسد النكاح ، وذلك لأنه يجب إذا رماها بالزنا أن يكون قوله هذا كأنه معترف بفساد النكاح حتى يكون سبيله سبيل من يقر بأنها أخته من الرضاع أو بأنها كافرة ، ولو كان كذلك لوجب أن تقع الفرقة بنفس الرمي من قبل اللعان وقد ثبت بالإجماع فساد ذلك . وقوع الزنا
[ ص: 150 ] المسألة الثالثة : قالت المعتزلة دلت الآية على أن القاذف مستحق للعن الله تعالى إذا كان كاذبا وأنه قد فسق ، وكذلك الزاني والزانية يستحقان غضب الله تعالى وعقابه ، وإلا لم يحسن منهما أن يلعنا أنفسهما ، كما لا يجوز أن يدعو أحد ربه أن يلعن الأطفال والمجانين ، وإذا صح ذلك فقد استحق العقاب ، والعقاب يكون دائما كالثواب ولا يجتمعان فثوابهما أيضا محبط ، فلا يجوز إذا لم يتوبا أن يدخلا الجنة ، لأن الأمة مجمعة على أن من دخل الجنة من المكلفين فهو مثاب على طاعاته ، وذلك يدل على خلود الفساق في النار ، قال أصحابنا لا نسلم أن كونه مغضوبا عليه بفسقه ينافي كونه مرضيا عنه لجهة إيمانه ، ثم لو سلمناه فلم نسلم أن الجنة لا يدخلها إلا مستحق الثواب . والإجماع ممنوع .
المسألة الرابعة : إنما خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله تغليظا عليها لأنها هي أصل الفجور ومنبعه بخيلائها وأطماعها ولذلك كانت مقدمة في آية الجلد .
واعلم أنه سبحانه لما بين حكم الرامي للمحصنات والأزواج على ما ذكرنا وكان في ذلك من الرحمة والنعمة ما لا خفاء فيه ، لأنه تعالى جعل باللعان للمرء سبيلا إلى مراده ، ولها سبيلا إلى دفع العذاب عن نفسها ، ولهما السبيل إلى التوبة والإنابة ، فلأجل هذا بين تعالى بقوله : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ) [ النور : 14 ] عظم نعمه فيما بينه من هذه الأحكام وفيما أمهل وأبقى ومكن من التوبة ولا شبهة في أن في الكلام حذفا إذ لا بد من جواب ، إلا أن تركه يدل على أنه أمر عظيم لا يكتنه ، ورب مسكوت عنه أبلغ من منطوق به .