أما قوله تعالى : ( إن الذين يستأذنونك    ) إلى قوله : ( إن الله غفور رحيم    ) ففيه مسائل : 
المسألة الأولى : ( إن الذين يستأذنونك    ) المعنى تعظيما لك ورعاية للأدب ( أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله    ) أي يعملون بموجب الإيمان ومقتضاه ، قال الضحاك  ومقاتل    : المراد  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه ، وذلك لأنه استأذن في غزوة تبوك  في الرجوع إلى أهله فأذن له وقال له : انطلق فوالله ما أنت بمنافق . يريد أن يسمع المنافقين ذلك الكلام ، فلما سمعوا ذلك قالوا : ما بال محمد  إذا استأذنه أصحابه أذن لهم ، وإذا استأذناه لم يأذن لنا فوالله ما نراه يعدل ، وقال  ابن عباس  رضي الله عنهما : إن عمر  استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمرة فأذن له  ، ثم قال يا أبا حفص  لا تنسنا من صالح دعائك ، وفي قوله : ( واستغفر لهم الله    ) وجهان : 
أحدهما : أن يستغفر لهم تنبيها على أن الأولى أن لا يقع الاستئذان منهم وإن أذن ، لأن الاستغفار يدل على الذنب ، وربما ذكر عند بعض الرخص . 
الثاني : يحتمل أنه تعالى أمره بأن يستغفر لهم مقابلة على تمسكهم بآداب الله تعالى في الاستئذان . 
المسألة الثانية : قال قتادة    : نسخت هذه الآية قوله تعالى : ( لم أذنت لهم    ) [التوبة : 43] . 
المسألة الثالثة : الآية تدل على أنه سبحانه فوض إلى رسوله بعض أمر الدين ليجتهد فيه برأيه    . 
أما قوله تعالى : ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا     ) ففيه وجوه : 
أحدهما : - وهو اختيار  المبرد  والقفال    - ولا تجعلوا أمره إياكم ودعاءه لكم كما يكون من بعضكم لبعض ، إذ كان أمره فرضا لازما ، والذي يدل على هذا قوله عقيب هذا ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره    ) . 
وثانيها : لا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضا يا محمد  ، ولكن قولوا : يا رسول الله ، يا نبي الله ، عن  سعيد بن جبير    . 
وثالثها : لا ترفعوا أصواتكم في دعائه ، وهو المراد من قوله : ( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله    ) [الحجرات : 3] عن  ابن عباس    . 
ورابعها : احذروا دعاء الرسول عليكم إذا أسخطتموه  فإن دعاءه موجب ليس كدعاء غيره ، والوجه الأول أقرب إلى نظم الآية . 
أما قوله تعالى : ( قد يعلم الله الذين يتسللون منكم لواذا    ) فالمعنى يتسللون قليلا قليلا ، ونظير تسلل تدرج وتدخل ، واللواذ : الملاوذة وهي أن يلوذ هذا بذاك وذاك بهذا ، يعني يتسللون عن الجماعة على سبيل الخفية واستتار بعضهم ببعض ، ولواذا حال أي ملاوذين ، وقيل : كان بعضهم يلوذ بالرجل إذا استأذن فيؤذن له فينطلق الذي لم يؤذن له معه ، وقرئ "لواذا" بالفتح ، ثم اختلفوا على وجوه : 
أحدها : قال مقاتل    : كان المنافقون تثقل عليهم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة ، فيلوذون ببعض أصحابه ، ويخرجون من غير استئذان . 
وثانيها : قال  مجاهد    : يتسللون من الصف في القتال . 
وثالثها : قال  ابن قتيبة    : هذا كان في حفر الخندق    . 
ورابعها : يتسللون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن كتابه وعن ذكره ، وقوله : ( قد يعلم الله    ) معناه التهديد بالمجازاة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					