الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            الصفة الرابعة : قوله : ( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : يقولون في سجودهم وقيامهم هذا القول . وقال الحسن : خشعوا بالنهار وتعبوا بالليل فرقا من عذاب جهنم . وقوله : ( غراما ) أي هلاكا وخسرانا ملحا لازما ، ومنه الغريم لإلحاحه وإلزامه ، ويقال : فلان مغرم بالنساء إذا كان مولعا بهن ، وسأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الغرام ، فقال : هو الموجع . وعن محمد بن كعب في ( غراما ) أنه سأل الكفار ثمن نعمه فما أدوها إليه ، فأغرمهم فأدخلهم النار . واعلم أنه تعالى وصفهم بإحياء الليل ساجدين وقائمين ، ثم عقبه بذكر دعوتهم هذه ؛ إيذانا بأنهم مع اجتهادهم خائفون مبتهلون إلى الله في صرف العذاب عنهم ؛ كقوله : ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة ) [المؤمنون : 60] .

                                                                                                                                                                                                                                            أما قوله تعالى : ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) فقوله : ( ساءت ) في حكم بئست ، وفيها ضمير مبهم تفسيره "مستقرا " ، والمخصوص بالذم محذوف معناه ساءت مستقرا ومقاما هي ، ( وهذا الضمير هو الذي ربط الجملة باسم إن وجعلها خبرا لها ، ويجوز أن يكون ساءت بمعنى أحزنت ، وفيها ضمير اسم إن ) ، ومستقرا حال أو تمييز ، فإن قيل : دلت الآية على أنهم سألوا الله تعالى أن يصرف عنهم عذاب جهنم لعلتين :

                                                                                                                                                                                                                                            إحداهما أن عذابها كان غراما [ ص: 95 ]

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيهما : أنها ساءت مستقرا ومقاما ، فما الفرق بين الوجهين ؟ وأيضا فما الفرق بين المستقر والمقام ؟ قلنا : المتكلمون ذكروا أن عقاب الكافر يجب أن يكون مضرة خالصة عن شوائب النفع دائمة ، فقوله : ( إن عذابها كان غراما ) إشارة إلى كونه مضرة خالصة عن شوائب النفع . وقوله : ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) إشارة إلى كونها دائمة ، ولا شك في المغايرة ، أما الفرق بين المستقر والمقام فيحتمل أن يكون المستقر للعصاة من أهل الإيمان ؛ فإنهم يستقرون في النار ولا يقيمون فيها ، وأما الإقامة فللكفار . واعلم أن قوله : ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) يمكن أن يكون من كلام الله تعالى ، ويمكن أن يكون حكاية لقولهم .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية