أما قوله تعالى : ( بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) فهذا جواب ثالث عن تلك الشبهة ، كأنه سبحانه قال : ليس ما تعلقوا به شبهة عليك في نفس المسألة ، بل الذي حملهم على تكذيبك تكذيبهم بالساعة استثقالا للاستعداد لها ، ويحتمل أن يكون المعنى أنهم ولا يتحملون كلفة النظر والفكر ، فلهذا لا ينتفعون بما يورد عليهم من الدلائل . ثم قال : ( يكذبون بالساعة فلا يرجون ثوابا ولا عقابا وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قال أبو مسلم : " وأعتدنا " أي : جعلناها عتيدا ومعدة لهم ، والسعير : النار الشديدة الاستعار ، وعن الحسن أنه اسم من أسماء جهنم .
المسألة الثانية : احتج أصحابنا على أن بقوله تعالى : ( الجنة مخلوقة أعدت للمتقين ) [آل عمران : 133] وعلى أن النار التي هي دار العقاب مخلوقة بهذه الآية ، وهي قوله : ( وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) ، وقوله : ( وأعتدنا ) إخبار عن فعل وقع في الماضي ، فدلت الآية على أن دار العقاب مخلوقة ، قال الجبائي : يحتمل وأعتدنا النار في الدنيا وبها نعذب الكفار والفساق في قبورهم ، ويحتمل نار الآخرة ويكون معنى ( وأعتدنا ) أي : سنعدها لهم ؛ كقوله : ( ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار ) [ الأعراف : 44] ، واعلم أن هذا السؤال في نهاية السقوط ؛ لأن المراد من السعير إما نار الدنيا وإما نار الآخرة ، فإن كان الأول فإما أن يكون المراد أنه تعالى يعذبهم في الدنيا بنار الدنيا ، أو يعذبهم في الآخرة بنار الدنيا ، والأول باطل ؛ لأنه تعالى ما عذبهم بالنار في الدنيا ، والتالي أيضا باطل لأنه لم يقل أحد من الأمة : إنه تعالى يعذب الكفرة في الآخرة بنيران الدنيا ، فثبت أن المراد نار الآخرة ، وثبت أنها معدة ، وحمل الآية على أن الله سيجعلها معدة ترك للظاهر من غير دليل ، وعلى أن الحسن قال : فقوله : ( السعير اسم من أسماء جهنم وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) صريح في أنه تعالى أعد جهنم .
المسألة الثالثة : احتج أصحابنا بهذه الآية على أن ، فقالوا : إن الذين أعد الله تعالى لهم السعير وأخبر عن ذلك وحكم به أن صاروا مؤمنين من أهل الثواب ، انقلب حكم الله بكونهم من أهل السعير كذبا ، وانقلب بذلك علمه جهلا ، وهذا الانقلاب محال ، والمؤدي إلى المحال محال ، فصيرورة أولئك مؤمنين من أهل الثواب محال ، فثبت أن السعيد لا ينقلب شقيا ، والشقي لا ينقلب سعيدا .
السعيد من سعد في بطن أمه