المسألة الأولى : كلمة ( على ) للوجوب ، قال عليه السلام : نذر وسمى فعليه الوفاء بما سمى ، فقوله : ( من كان على ربك ) يفيد أن ذلك واجب على الله تعالى ، والواجب هو الذي لو لم يفعل لاستحق تاركه بفعله الذم ، أو أنه الذي يكون عدمه ممتنعا ، فإن كان الوجوب على التفسير الأول كان تركه محالا ; لأن تركه لما استلزم استحقاق الذم ، واستحقاق الله تعالى الذم محال ، ومستلزم المحال محال ، كان ذلك الترك محالا ، والمحال غير مقدور ، فلم يكن الله تعالى قادرا على أن لا يفعل ، فيلزم أن يكون ملجأ إلى الفعل ، وإن كان الوجوب على التفسير الثاني وهو أن يقال : الواجب ما يكون عدمه ممتنعا يكون القول بالإلجاء لازما ، فلم يكن الله قادرا ، فإن قيل : إنه ثبت بحكم الوعد ، فنقول : لو لم يفعل لانقلب خبره الصدق كذبا ، وعلمه جهلا ، وذلك محال ، والمؤدي إلى المحال محال ، فالترك محال ، فيلزم أن يكون ملجأ إلى الفعل ، والملجأ إلى الفعل لا يكون قادرا ، ولا يكون مستحقا للثناء والمدح .
تمام السؤال وجوابه : أن فعل الشيء متقدم على الإخبار عن فعله وعن العلم بفعله ، فيكون ذلك الفعل فعلا لا على سبيل الإلجاء ، فكان قادرا ومستحقا للثناء والمدح .
المسألة الثانية : قوله : ( وعدا ) يدل على أن ، وقد تقدم تقريره . الجنة حصلت بحكم الوعد ، لا بحكم الاستحقاق
[ ص: 53 ] المسألة الثالثة : قوله : ( مسئولا ) ذكروا فيه وجوها :
أحدها : أن المكلفين سألوه بقولهم : ( ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ) [آل عمران : 194] .
وثانيها : أن المكلفين سألوه بلسان الحال ؛ لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعته كان ذلك قائما مقام السؤال ، قال : المتنبي
وفي النفس حاجات وفيك فطانة سكوتي كلام عندها وخطاب
وثالثها : الملائكة سألوا الله تعالى ذلك بقولهم : ( ربنا وأدخلهم جنات عدن ) [غافر : 8] .
ورابعها : ( وعدا مسئولا ) أي واجبا ، يقال : لأعطينك ألفا وعدا مسئولا ، أي واجبا وإن لم تسأل ، قاله الفراء . وسائر الوجوه أقرب من هذا ؛ لأن سائر الوجوه أقرب إلى الحقيقة ، وما قاله الفراء مجاز .
وخامسها : مسئولا أي من حقه أن يكون مسئولا ؛ لأنه حق واجب ، إما بحكم الاستحقاق على قول المعتزلة ، أو بحكم الوعد على قول أهل السنة .