( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا  وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا    ) . 
قوله تعالى : ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا  وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا    ) . 
اعلم أنه سبحانه لما حكى عن الكفار مزيد النفرة عن السجود ، ذكر ما لو تفكروا فيه لعرفوا وجوب السجود والعبادة للرحمن ، فقال : ( تبارك الذي جعل في السماء بروجا    ) ، أما تبارك فقد تقدم القول فيه ، وأما البروج فهي منازل السيارات ، وهي مشهورة ، سميت بالبروج التي هي القصور العالية لأنها لهذه الكواكب كالمنازل لسكانها . واشتقاق البروج من التبرج لظهوره ، وفيه قول آخر عن  ابن عباس  رضي الله عنهما أن البروج هي الكواكب العظام  ، والأول أولى لقوله تعالى : ( وجعل فيها    ) أي في البروج ، فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون قوله : ( فيها    ) راجعا إلى السماء دون البروج ؟ قلنا : لأن البروج أقرب ، فعود الضمير إليها أولى . والسراج : الشمس ؛ لقوله تعالى : ( وجعل الشمس سراجا    ) [نوح : 16] ، وقرئ : " سرجا " وهي الشمس والكواكب الكبار فيها ، وقرأ الحسن   والأعمش    : " وقمرا منيرا    " ، وهي جمع ليلة قمراء ، كأنه قيل : وذا قمر منير ؛ لأن الليالي تكون قمراء بالقمر ، فأضافه إليها ، ولا يبعد أن يكون القمر بمعنى القمر كالرشد والرشد والعرب والعرب . وأما   [ ص: 93 ] الخلفة ففيها قولان : 
الأول : أنها عبارة عن كون الشيئين بحيث أحدهما يخلف الآخر ويأتي خلفه ، يقال : بفلان خلفة واختلاف ، إذا اختلف كثيرا إلى متبرزه ، والمعنى جعلهما ذوي خلفة ، أي ذوي عقبة ، يعقب هذا ذاك وذاك هذا . 
قال  ابن عباس  رضي الله عنهما : جعل كل واحد منهما يخلف صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه ، فمن فرط في عمل في أحدهما قضاه في الآخر ، قال  أنس بن مالك    : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  لعمر بن الخطاب  ، وقد فاتته قراءة القرآن بالليل : يا ابن الخطاب  ، لقد أنزل الله فيك آية . وتلا : ( وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر    ) ما فاتك من النوافل بالليل فاقضه في نهارك ، وما فاتك من النهار فاقضه في ليلك   . 
القول الثاني : وهو قول  مجاهد  وقتادة  والكسائي  ، يقال لكل شيئين اختلفا : هما خلفان ، فقوله : ( خلفة    ) أي مختلفين ، وهذا أسود وهذا أبيض ، وهذا طويل وهذا قصير ، والقول الأول أقرب . 
أما قوله تعالى : ( أن يذكر    ) فقراءة العامة بالتشديد ، وقراءة حمزة  بالتخفيف ، وعن  أبي بن كعب    : "يتذكر" ، والمعنى لينظر الناظر في اختلافهما ، فيعلم أنه لا بد في انتقالهما من حال إلى حال من ناقل ومغير ، وقوله : ( أن يذكر    ) راجع إلى كل ما تقدم من النعم ، بين تعالى أن الذين قالوا : وما الرحمن ، لو تفكروا في هذه النعم وتذكروها لاستدلوا بذلك على عظيم قدرته  ، ولشكر الشاكرين على النعمة فيهما من السكون بالليل والتصرف بالنهار ، كما قال تعالى : ( ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله    ) [القصص : 73] أو ليكونا وقتين للمتذكرين والشاكرين ، من فاته في أحدهما ورد من العبادة قام به في الآخر ، والشكور مصدر شكر يشكر شكورا . 
				
						
						
