( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ) .
قوله تعالى : ( والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ) .
فيه مسائل :
المسألة الأولى : الزور يحتمل إقامة الشهادة الباطلة ، ويكون المعنى أنهم لا يشهدون [ ص: 99 ] فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، ويحتمل حضور مواضع الكذب ؛ كقوله تعالى : ( شهادة الزور فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) [ الأنعام : 68] ويحتمل حضور كل موضع يجري فيه ما لا ينبغي ، ويدخل فيه أعياد المشركين ومجامع الفساق ؛ لأن ؛ لأن الحضور والنظر دليل الرضا به ، بل هو سبب لوجوده والزيادة فيه ؛ لأن الذي حملهم على فعله استحسان النظارة ورغبتهم في النظر إليه ، وقال من خالط أهل الشر ونظر إلى أفعالهم وحضر مجامعهم فقد شاركهم في تلك المعصية رضي الله عنهما : المراد مجالس الزور التي يقولون فيها الزور على الله تعالى وعلى رسوله ، وقال ابن عباس : الزور : الغناء . واعلم أن كل هذه الوجوه محتملة ، ولكن استعماله في الكذب أكثر . محمد ابن الحنفية
المسألة الثانية : الأصح أن ، ومنهم من فسر اللغو بكل ما ليس بطاعة ، وهو ضعيف ؛ لأن المباحات لا تعد لغوا ، فقوله : ( اللغو كل ما يجب أن يلغى ويترك وإذا مروا باللغو ) أي بأهل اللغو .
المسألة الثالثة : لا شبهة في أن قوله : ( مروا كراما ) معناه أنهم يكرمون أنفسهم عن مثل حال اللغو ، وإكرامهم لها لا يكون إلا بالإعراض وبالإنكار وبترك المعاونة والمساعدة ، ويدخل فيه الشرك واللغو في القرآن وشتم الرسول ، والخوض فيما لا ينبغي ، وأصل الكلمة من قولهم : ناقة كريمة ، إذا كانت تعرض عند الحلب تكرما ، كأنها لا تبالي بما يحلب منها للغزارة ، فاستعير ذلك للصفح عن الذنب ، وقال الليث : يقال : تكرم فلان عما يشينه ، إذا تنزه وأكرم نفسه عنه ، ونظير هذه الآية قوله : ( وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ) [القصص : 55] وعن الحسن : لم تسفههم المعاصي ، وقيل : إذا سمعوا من الكفار الشتم والأذى أعرضوا ، وقيل : إذا ذكر النكاح كنوا عنه .