[ ص: 155 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=6وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=8فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=9يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=6وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=8فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=9ياموسى إنه أنا الله العزيز الحكيم ) .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=6وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم ) فمعناه لتؤتاه وتلقاه من عند أي حكيم وأي عليم ، وهذا معنى مجيئهما نكرتين وهذه الآية بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص ، و " إذ " منصوب بمضمر وهو اذكر ، كأنه قال على أثر ذلك خذ من آثار حكمته وعلمه قصة
موسى ، ويجوز أن ينتصب ب " عليم " فإن قيل : الحكمة إما أن تكون نفس العلم ، والعلم إما أن يكون داخلا فيها ، فلما ذكر الحكمة فلم ذكر العلم ؟ جوابه : الحكمة هي العلم بالأمور العملية فقط والعلم أعم منه ؛ لأن العلم قد يكون عمليا وقد يكون نظريا والعلوم النظرية أشرف من العلوم العملية ، فذكر الحكمة المشتملة على العلوم العملية ، ثم ذكر العليم وهو البالغ في كمال العلم وكمال العلم يحصل من جهات ثلاثة وحدته وعموم تعلقه بكل المعلومات وبقاؤه مصونا عن كل التغيرات ، وما حصلت هذه الكمالات الثلاثة إلا في علمه سبحانه وتعالى .
واعلم أن الله تعالى ذكر في هذه السورة أنواعا من القصص .
القصة الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=31907_31805قصة موسى عليه الصلاة والسلام
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إذ قال موسى لأهله ) فيدل على أنه لم يكن مع
موسى عليه السلام غير امرأته ابنة
شعيب عليه السلام ، وقد كنى الله تعالى عنها بالأهل فتبع ذلك ورود الخطاب على لفظ الجمع وهو قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10امكثوا ) .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إني آنست نارا ) فالمعنى أنهما كانا يسيران ليلا ، وقد اشتبه الطريق عليهما والوقت وقت برد وفي مثل هذا الحال تقوى النفس بمشاهدة نار من بعد لما يرجى فيها من زوال الحيرة في أمر الطريق ، ومن الانتفاع بالنار للاصطلاء فلذلك بشرها فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إني آنست نارا ) وقد اختلفوا فقال بعضهم : المراد أبصرت ورأيت ، وقال آخرون : بل المراد صادفت ووجدت فآنست به ، والأول أقرب ، لأنهم لا يفرقون بين قول القائل : آنست ببصري ، ورأيت ببصري .
أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7سآتيكم منها بخبر ) فالخبر ما يخبر به عن حال الطريق لأنه كان قد ضل ، ثم في الكلام حذف وهو أنه لما أبصر النار توجه إليها وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7سآتيكم منها بخبر ) يعرف به الطريق .
[ ص: 156 ] أما قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7أو آتيكم بشهاب قبس ) فالشهاب الشعلة والقبس النار المقبوسة . وأضاف الشهاب إلى القبس لأنه يكون قبسا وغير قبس ، ومن قرأ بالتنوين جعل القبس بدلا أو صفة لما فيه من معنى القبس ثم ههنا أسئلة :
السؤال الأول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7سآتيكم منها بخبر ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29لعلي آتيكم منها بخبر ) كالمتدافعين لأن أحدهما ترج والآخر تيقن ؟ نقول : جوابه : قد يقول الراجي إذا قوي رجاؤه سأفعل كذا وسيكون كذا مع تجويزه الخيبة .
السؤال الثاني : كيف جاء بسين التسويف ؟ جوابه : عدة منه لأهله أنه يأتيهم به وإن أبطأ أو كانت المسافة بعيدة .
السؤال الثالث : لماذا أدخل " أو " بين الأمرين وهلا جمع بينهما لحاجته إليهما معا ؟ جوابه : بنى الرجاء على أنه إن لم يظفر بهذين المقصودين ظفر بأحدهما ، إما هداية الطريق ، وإما اقتباس النار ثقة بعادة الله تعالى لأنه لا يكاد يجمع بين حرمانين على عبده .
وأما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7لعلكم تصطلون ) فالمعنى لكي تصطلون وذلك يدل على حاجة بهم إلى الاصطلاء وحينئذ لا يكون ذلك إلا في حال برد .
[ ص: 155 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=6وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=8فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=9يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=6وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=8فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=9يَامُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=6وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ) فَمَعْنَاهُ لَتُؤْتَاهُ وَتُلَقَّاهُ مِنْ عِنْدِ أَيِّ حَكِيمٍ وَأَيِّ عَلِيمٍ ، وَهَذَا مَعْنَى مَجِيئِهِمَا نَكِرَتَيْنِ وَهَذِهِ الْآيَةُ بِسَاطٌ وَتَمْهِيدٌ لِمَا يُرِيدُ أَنْ يَسُوقَ بَعْدَهَا مِنَ الْأَقَاصِيصِ ، وَ " إِذْ " مَنْصُوبٌ بِمُضْمَرٍ وَهُوَ اذْكُرْ ، كَأَنَّهُ قَالَ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ خُذْ مِنْ آثَارِ حِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ قِصَّةَ
مُوسَى ، وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ بِ " عَلِيمٍ " فَإِنْ قِيلَ : الْحِكْمَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ نَفْسَ الْعِلْمِ ، وَالْعِلْمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِيهَا ، فَلَمَّا ذَكَرَ الْحِكْمَةَ فَلِمَ ذَكَرَ الْعِلْمَ ؟ جَوَابُهُ : الْحِكْمَةُ هِيَ الْعِلْمُ بِالْأُمُورِ الْعَمَلِيَّةِ فَقَطْ وَالْعِلْمُ أَعَمُّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ قَدْ يَكُونُ عَمَلِيًّا وَقَدْ يَكُونُ نَظَرِيًّا وَالْعُلُومُ النَّظَرِيَّةُ أَشْرَفُ مِنَ الْعُلُومِ الْعَمَلِيَّةِ ، فَذَكَرَ الْحِكْمَةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى الْعُلُومِ الْعَمَلِيَّةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ الْعَلِيمَ وَهُوَ الْبَالِغُ فِي كَمَالِ الْعِلْمِ وَكَمَالُ الْعِلْمِ يَحْصُلُ مِنْ جِهَاتٍ ثَلَاثَةٍ وَحْدَتُهُ وَعُمُومُ تَعَلُّقِهِ بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ وَبَقَاؤُهُ مَصُونًا عَنْ كُلِّ التَّغَيُّرَاتِ ، وَمَا حَصَلَتْ هَذِهِ الْكِمَالَاتُ الثَّلَاثَةُ إِلَّا فِي عِلْمِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى .
وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَنْوَاعًا مِنَ الْقَصَصِ .
الْقِصَّةُ الْأُولَى :
nindex.php?page=treesubj&link=31907_31805قِصَّةُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ ) فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ غَيْرُ امْرَأَتِهِ ابْنَةِ
شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَقَدْ كَنَّى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِالْأَهْلِ فَتَبِعَ ذَلِكَ وُرُودُ الْخِطَابِ عَلَى لَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=10امْكُثُوا ) .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ) فَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا كَانَا يَسِيرَانِ لَيْلًا ، وَقَدِ اشْتَبَهَ الطَّرِيقُ عَلَيْهِمَا وَالْوَقْتُ وَقْتُ بَرْدٍ وَفِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ تَقْوَى النَّفْسُ بِمُشَاهَدَةِ نَارٍ مِنْ بُعْدٍ لِمَا يُرْجَى فِيهَا مِنْ زَوَالِ الْحَيْرَةِ فِي أَمْرِ الطَّرِيقِ ، وَمِنَ الِانْتِفَاعِ بِالنَّارِ لِلِاصْطِلَاءِ فَلِذَلِكَ بَشَّرَهَا فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ) وَقَدِ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْمُرَادُ أَبْصَرْتُ وَرَأَيْتُ ، وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ الْمُرَادُ صَادَفْتُ وَوَجَدْتُ فَآنَسْتُ بِهِ ، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ ، لِأَنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ : آنَسْتُ بِبَصَرِي ، وَرَأَيْتُ بِبَصَرِي .
أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ ) فَالْخَبَرُ مَا يُخْبَرُ بِهِ عَنْ حَالِ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ ضَلَّ ، ثُمَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا أَبْصَرَ النَّارَ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ ) يَعْرِفُ بِهِ الطَّرِيقَ .
[ ص: 156 ] أَمَّا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ ) فَالشِّهَابُ الشُّعْلَةُ وَالْقَبَسُ النَّارُ الْمَقْبُوسَةُ . وَأَضَافَ الشِّهَابَ إِلَى الْقَبَسِ لِأَنَّهُ يَكُونُ قَبَسًا وَغَيْرَ قَبَسٍ ، وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّنْوِينِ جَعَلَ الْقَبَسَ بَدَلًا أَوْ صِفَةً لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْقَبَسِ ثُمَّ هَهُنَا أَسْئِلَةٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ ) وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=29لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ ) كَالْمُتَدَافِعَيْنِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا تَرَجٍّ وَالْآخِرَ تَيَقُّنٌ ؟ نَقُولُ : جَوَابُهُ : قَدْ يَقُولُ الرَّاجِي إِذَا قَوِيَ رَجَاؤُهُ سَأَفْعَلُ كَذَا وَسَيَكُونُ كَذَا مَعَ تَجْوِيزِهِ الْخَيْبَةَ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : كَيْفَ جَاءَ بِسِينِ التَّسْوِيفِ ؟ جَوَابُهُ : عِدَةٌ مِنْهُ لِأَهْلِهِ أَنَّهُ يَأْتِيهِمْ بِهِ وَإِنْ أَبْطَأَ أَوْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ بَعِيدَةً .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : لِمَاذَا أَدْخَلَ " أَوْ " بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ وَهَلَّا جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِمَا مَعًا ؟ جَوَابُهُ : بَنَى الرَّجَاءَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَظْفَرْ بِهَذَيْنِ الْمَقْصُودَيْنِ ظَفِرَ بِأَحَدِهِمَا ، إِمَّا هِدَايَةُ الطَّرِيقِ ، وَإِمَّا اقْتِبَاسُ النَّارِ ثِقَةً بِعَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَجْمَعُ بَيْنَ حِرْمَانَيْنِ عَلَى عَبْدِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=7لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ) فَالْمَعْنَى لِكَيْ تَصْطَلُونَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى حَاجَةٍ بِهِمْ إِلَى الِاصْطِلَاءِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا فِي حَالِ بَرْدٍ .