أما قوله تعالى : ( حتى إذا أتوا على وادي النمل ) فقيل هو واد بالشام كثير النمل ، ويقال له لم عدى ( أتوا ) بعلى ؟ فجوابه من وجهين :
الأول : أن إتيانهم كان من فوق فأتى بحرف الاستعلاء .
والثاني : أن يراد قطع الوادي وبلوغ آخره من قولهم أتى على الشيء إذا بلغ آخره كأنهم أرادوا أن ينزلوا عند منقطع الوادي ، وقرئ " نملة يا أيها النمل " بضم الميم وبضم النون والميم وكان الأصل النمل بوزن الرجل والنمل الذي عليه الاستعمال تخفيف عنه .
أما قوله تعالى : ( قالت نملة ) فالمعنى أنها تكلمت بذلك وهذا غير مستبعد ، فإن الله تعالى قادر على أن يخلق فيها العقل والنطق . وعن قتادة : أنه دخل الكوفة فالتف عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم وكان رحمه الله حاضرا وهو غلام حدث فقال : سلوه عن نملة أبو حنيفة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى ؟ فسألوه فأفحم ، فقال رضي الله عنه : كانت أنثى ، فقيل له : من أين عرفت ؟ فقال من كتاب الله تعالى وهو قوله : ( أبو حنيفة قالت نملة ) ولو كان ذكرا لقال " قال نملة " ، وذلك لأن النملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى فيميز بينهما بعلامة نحو قولهم حمامة ذكر وحمامة أنثى وهو وهي .
أما قوله تعالى : ( ادخلوا مساكنكم ) فاعلم أن النملة لما قاربت حد العقل ، لا جرم ذكرت بما يذكر به العقلاء فلذلك قال تعالى : ( ادخلوا مساكنكم ) فإن قلت : ( لا يحطمنكم ) ما هو ؟ قلت : يحتمل أن يكون جوابا للأمر وأن يكون نهيا بدلا من الأمر ، والمعنى : لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنكم على طريقة : لا أرينك ههنا .
وفي هذه الآية تنبيه على أمور :
أحدها : أن من يسير في الطريق لا يلزمه التحرز ، وإنما يلزم من في الطريق التحرز .
وثانيها : أن النملة قالت : ( وهم لا يشعرون ) كأنها عرفت أن النبي معصوم فلا يقع منه قتل هذه الحيوانات إلا على سبيل السهو ، وهذا تنبيه عظيم على وجوب . الجزم بعصمة الأنبياء عليهم السلام
وثالثها : ما رأيت في بعض الكتب أن تلك النملة إنما أمرت غيرها بالدخول لأنها خافت على قومها أنها إذا رأت سليمان في جلالته ، فربما وقعت في كفران نعمة الله تعالى وهذا هو المراد بقوله : ( لا يحطمنكم سليمان ) فأمرتها بالدخول في مساكنها لئلا ترى تلك النعم فلا تقع في ، وهذا تنبيه على أن كفران نعمة الله تعالى . مجالسة أرباب الدنيا محذورة
ورابعها : قرئ " مسكنكم " و " لا يحطمنكم " بتخفيف النون ، وقرئ " لا يحطمنكم " بفتح الطاء وكسرها وأصلها يحطمنكم .