[ ص: 172 ] ( قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها )
قوله تعالى : ( قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) اعلم أنه تعالى لما حكى إقامتها على الكفر مع كل ما تقدم من الدلائل ذكر أن سليمان عليه السلام أظهر من الأمر ما صار داعيا لها إلى الإسلام وهو قوله : ( قيل لها ادخلي الصرح ) والصرح القصر ، كقوله : ( ياهامان ابن لي صرحا ) [ غافر : 36 ] وقيل : صحن الدار ، وقرأ ابن كثير عن ( سأقيها ) بالهمز ، ووجهه أنه سمع سؤقا ، فأجرى عليه الواحد ، والممرد المملس ، روي أن سليمان عليه السلام أمر قبل قدومها ، فبني له على طريقها قصر من زجاج أبيض كالماء بياضا ، ثم أرسل الماء تحته وألقى فيه السمك وغيره ، ووضع سريره في صدره فجلس عليه ، وعكف عليه الإنس والجن والطير ، وإنما فعل ذلك ليزيدها استعظاما لأمره وتحققا لنبوته ، وزعموا أن الجن كرهوا أن يتزوجها فتفضي إليه بأسرارهم ؛ لأنها كانت بنت جنية ، وقيل : خافوا أن يولد له منها ولد ، فيجتمع له فطنة الجن والإنس ، فيخرجون من ملك سليمان إلى ملك هو أشد ، فقالوا : إن في عقلها نقصانا ، وإنها شعراء الساقين ، ورجلها كحافر حمار ، فاختبر سليمان عقلها بتنكير العرش ، واتخذ الصرح ليتعرف ساقها ، ومعلوم من حال الزجاج الصافي أنه يكون كالماء ، فلما أبصرت ذلك ظنته ماءا راكدا فكشفت عن ساقيها لتخوضه ، فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما ، وهذا على طريقة من يقول تزوجها ، وقال آخرون : كان المقصود من الصرح تهويل المجلس وتعظيمه ، وحصل كشف الساق على سبيل التبع ، فلما قيل لها : هو صرح ممرد من قوارير استترت ، وعجبت من ذلك واستدلت به على التوحيد والنبوة ، فقالت : ( رب إني ظلمت نفسي ) فيما تقدم بالثبات على الكفر ، ثم قالت : ( وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين ) وقيل : حسبت أن سليمان عليه السلام يغرقها في اللجة ، فقالت : ظلمت نفسي بسوء ظني بسليمان ، واختلفوا في أنه هل تزوجها أم لا ، وأنه تزوجها في هذه الحال أو قبل أن كشفت عن ساقيها ؟ والأظهر في كلام الناس أنه تزوجها ، وليس لذلك ذكر في الكتاب ، ولا في خبر مقطوع بصحته ، ويروى عن أنها لما أسلمت قال لها : اختاري من قومك من أزوجك منه ، فقالت مثلي لا ينكح الرجال مع سلطاني ، فقال : النكاح من الإسلام ، فقالت : إن كان كذلك فزوجني ذا ابن عباس تبع ملك همدان ، فزوجها إياه ، ثم ردهما إلى اليمن ، ولم يزل بها ملكا ، والله أعلم .