( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون )
قوله تعالى : ( فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وهم لا يشعرون )
اعلم أنه تعالى لما قال : ( ونريد أن نمن على الذين ) ابتدأ بذكر أوائل نعمه في هذا الباب بقوله : ( وأوحينا إلى أم موسى ) والكلام في هذا الوحي ذكرناه في سورة طه في قوله : ( ولقد مننا عليك مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى ) وقوله : ( أن أرضعيه ) كالدلالة على أنها أرضعته وليس في القرآن حد ذلك ، ( فإذا خفت عليه ) أن يفطن به جيرانك ويسمعون صوته عند البكاء ( فألقيه في اليم ) . قال : إنه بعد أربعة أشهر صاح فألقي في اليم والمراد باليم ههنا النيل ( ابن جريج ولا تخافي ولا تحزني ) ، والحزن غم يلحقه بسبب مكروه حصل في الماضي ، فكأنه قيل : ولا تخافي من هلاكه ولا تحزني بسبب فراقه ( والخوف غم يحصل بسبب مكروه يتوقع حصوله في المستقبل إنا رادوه إليك ) لتكوني أنت المرضعة له ( وجاعلوه من المرسلين ) إلى أهل مصر والشام ، وقصة الإلقاء في اليم قد تقدمت في سورة طه .
وقال : إن أم ابن عباس موسى عليه السلام لما تقارب ولادها كانت قابلة من القوابل التي وكلهم فرعون بالحبالى مصافية لأم موسى عليه السلام ، فلما أحست بالطلق أرسلت إليها ، وقالت لها : قد نزل بي ما نزل ولينفعني اليوم حبك إياي ، فجلست القابلة ، فلما وقع موسى عليه السلام إلى الأرض هالها نور بين عينيه ، فارتعش كل مفصل منها ، ودخل حب موسى عليه السلام قلبها ، فقالت : يا هذه ما جئتك إلا لقتل مولودك ، ولكني وجدت لابنك هذا حبا شديدا فاحتفظي بابنك ، فإنه أراه عدونا ، فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون ، فجاء إلى بابها ليدخل [ ص: 195 ] على أم موسى ، فقالت أخته : يا أماه هذا الحرس ، فلفته ووضعته في تنور مسجور ، فطاش عقلها ، فلم تعقل ما تصنع ، فدخلوا فإذا التنور مسجور ، ورأوا أم موسى لم يتغير لها لون ، ولم يظهر لها لبن ، فقالوا : لم دخلت القابلة عليك ؟ قالت : إنها حبيبة لي دخلت للزيارة ، فخرجوا من عندها ، ورجع إليها عقلها ، فقالت لأخت موسى : أين الصبي ؟ قالت : لا أدري فسمعت بكاء في التنور ، فانطلقت إليه ، وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما فأخذته ، ثم إن أم موسى عليه السلام لما رأت فرعون جد في طلب الولدان خافت على ابنها ، فقذف الله في قلبها أن تتخذ له تابوتا ، ثم تقذف التابوت في النيل ، فذهبت إلى نجار من أهل مصر فاشترت منه تابوتا ، فقال لها : ما تصنعين به ؟ فقالت : ابن لي أخشى عليه كيد فرعون أخبؤه ، وما عرفت أنه يفشي ذلك الخبر ، فلما انصرفت ذهب النجار ليخبر به الذباحين ، فلما جاءهم أمسك الله لسانه وجعل يشير بيده ، فضربوه وطردوه فلما عاد إلى موضعه رد الله عليه نطقه ، فذهب مرة أخرى ليخبرهم به ، فضربوه وطردوه ، فلما عاد إلى موضعه رد الله نطقه ، فذهب مرة أخرى ليخبرهم به فضربوه وطردوه ، فأخذ الله بصره ولسانه ، فجعل لله تعالى أنه إن رد عليه بصره ولسانه ، فإنه لا يدلهم عليه فعلم الله تعالى منه الصدق ، فرد عليه بصره ولسانه ، وانطلقت أم موسى وألقته في النيل ، وكان لفرعون بنت لم يكن له ولد غيرها ، وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إلى أبيها ، وكان بها برص شديد ، وكان فرعون قد شاور الأطباء والسحرة في أمرها ، فقالوا : أيها الملك لا تبرأ هذه إلا من قبل البحر يوجد منه شبه الإنسان ، فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها ، فتبرأ من ذلك ، وذلك في يوم كذا في شهر كذا حين تشرق الشمس ، فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ومعه آسية بنت مزاحم ، وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على الشاطئ إذ أقبل النيل بتابوت تضربه الأمواج وتعلق بشجرة ، فقال فرعون : ائتوني به فابتدروه بالسفن من كل جانب حتى وضعوه بين يديه ، فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه ، وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه ، آسية فرأت نورا في جوف التابوت لم يره غيرها فعالجته وفتحته ، فإذا هي بصبي صغير في المهد وإذا نور بين عينيه ، فألقى الله محبته في قلوب القوم ، وعمدت فنظرت ابنة فرعون إلى ريقه فلطخت به برصها ، فبرئت وضمته إلى صدرها ، فقالت الغواة من قوم فرعون : إنا نظن أن هذا هو الذي نحذر منه رمي في البحر فرقا منك ، فهم فرعون بقتله فاستوهبته امرأة فرعون وتبنته فترك قتله .