المسألة الثامنة : اختلف المفسرون في قوله تعالى : ( ما ننسخ من آية أو ننسها    ) فمنهم من فسر النسخ بالإزالة ، ومنهم من فسره بالنسخ بمعنى نسخت الكتاب ، وهو قول عطاء   وسعيد بن المسيب  ، ومن قال بالقول الأول ذكروا فيه وجوها : 
أحدها : ما ننسخ من آية وأنتم تقرءونه أو ننسها ، أي : من القرآن ما قرئ بينكم ثم نسيتم ، وهو قول الحسن  والأصم  وأكثر المتكلمين ، فحملوه على نسخ الحكم دون التلاوة  ، وننسها على نسخ الحكم والتلاوة معا  ، فإن قيل : وقوع هذا النسيان ممنوع عقلا وشرعا . أما العقل فلأن القرآن لا بد من إيصاله إلى أهل التواتر ، والنسيان على أهل التواتر بأجمعهم ممتنع . 
وأما النقل فلقوله تعالى : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون    ) [ الحجر : 9 ] والجواب عن الأول من وجهين : 
الأول : أن النسيان يصح بأن يأمر الله تعالى بطرحه من القرآن ، وإخراجه من جملة ما يتلى ويؤتى به في الصلاة أو يحتج به ، فإذا زال حكم التعبد به وطال العهد نسي ، أو إن ذكر فعلى طريق ما يذكر خبر الواحد فيصير لهذا الوجه منسيا عن الصدور . 
الجواب الثاني : أن ذلك يكون معجزة للرسول عليه الصلاة والسلام ، ويروى فيه خبر : أنهم كانوا يقرءون السورة ، فيصبحون وقد نسوها . 
والجواب عن الثاني : أنه معارض بقوله تعالى : ( سنقرئك فلا تنسى  إلا ما شاء الله    ) [ الأعلى : 6 ] وبقوله : ( واذكر ربك إذا نسيت    ) [ الكهف : 24 ] . 
القول الثاني : " ما ننسخ من آية    " أي : نبدلها ، إما بأن نبدل حكمها فقط أو تلاوتها فقط أو نبدلهما ، أما قوله تعالى : ( أو ننسها    ) فالمراد نتركها كما كانت فلا نبدلها ، وقد بينا أن النسيان بمعنى الترك قد جاء ، فيصير حاصل الآية أن الذي نبدله فإنا نأتي بخير منه أو مثله . 
القول الثالث : ما ننسخ من آية  ، أي : ما نرفعها بعد إنزالها أو ننسأها على قراءة الهمزة ، أي : نؤخر إنزالها من اللوح المحفوظ ، أو يكون المراد نؤخر نسخها ، فلا ننسخها في الحال ، فإنا ننزل بدلها ما يقوم مقامها في المصلحة . 
القول الرابع : ما ننسخ من آية  ، وهي الآية التي صارت منسوخة في الحكم والتلاوة معا ، أو ننسها ، أي نتركها ، وهي الآية التي صارت منسوخة في الحكم ، ولكنها غير منسوخة في التلاوة ، بل هي باقية في التلاوة ، فأما من قال بالقول الثاني : ما ننسخ من آية ، أي ننسخها من اللوح المحفوظ أو ننسأها ، نؤخرها . وأما قراءة " ننسها " فالمعنى نتركها يعني نترك نسخها فلا ننسخها . 
وأما قوله : ( من آية    ) فكل المفسرين حملوه على الآية من القرآن غير أبي مسلم  ، فإنه حمل ذلك على التوراة والإنجيل ، وقد تقدم القول فيه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					