المسألة الخامسة : الإثم الكبير ، فيه أمور :
أحدها : أن ، والخمر عدو العقل ، وكل ما كان عدو الأشرف فهو أخس ، فيلزم أن يكون عقل الإنسان أشرف صفاته ، وتقريره أن العقل إنما سمي عقلا ؛ لأنه يجري مجرى عقال الناقة ، فإن الإنسان إذا دعاه طبعه إلى فعل قبيح ، كان عقله مانعا له من الإقدام عليه ، فإذا شرب الخمر بقي الطبع الداعي إلى فعل القبائح خاليا عن العقل المانع منها ، والتقريب بعد ذلك معلوم ، ذكر شرب الخمر أخس الأمور أنه مر على سكران وهو يبول في يده ويمسح به وجهه كهيئة المتوضئ ، ويقول : الحمد لله الذي جعل الإسلام نورا والماء طهورا ، وعن ابن أبي الدنيا العباس بن مرداس أنه قيل له في الجاهلية : لم لا تشرب الخمر فإنها تزيد في جراءتك ؟ فقال : ما أنا بآخذ جهلي بيدي فأدخله جوفي ، ولا أرضى أن أصبح سيد قوم وأمسي سفيههم .
وثانيها : ما ذكره الله تعالى من إيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة .
وثالثها : أن هذه المعصية من خواصها أن الإنسان كلما كان اشتغاله بها أكثر ، ومواظبته عليها أتم كان الميل إليها أكثر وقوة النفس عليها أقوى ، بخلاف سائر المعاصي ، مثل الزاني إذا فعل مرة واحدة فترت رغبته في ذلك العمل ، وكلما كان فعله لذلك العمل أكثر كان فتوره أكثر ونفرته أتم ، بخلاف الشرب ، فإنه كلما كان إقدامه عليه أكثر ، كان نشاطه أكثر ، ورغبته فيه أتم ، فإذا واظب الإنسان عليه صار الإنسان غرقا في اللذات البدنية ، معرضا عن تذكر الآخرة والمعاد ، حتى يصير من الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم ، وبالجملة فالخمر يزيل العقل ، وإذا زال العقل حصلت القبائح بأسرها ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : " الخمر أم الخبائث " ، وأما ، وأيضا لما يجري بينهم من الشتم والمنازعة وأنه أكل مال بالباطل وذلك أيضا يورث العداوة ; لأن صاحبه إذا أخذ ماله مجانا أبغضه جدا ، وهو أيضا يشغل عن ذكر الله وعن الصلاة ، وأما المنافع المذكورة في قوله تعالى : ( الميسر فالإثم فيه أنه يفضي إلى العداوة ومنافع للناس ) أنهم [ ص: 41 ] كانوا يتغالون بها إذا جلبوها من النواحي ، وكان المشتري إذا ترك المماكسة في الثمن كانوا يعدون ذلك فضيلة ومكرمة ، فكان تكثر أرباحهم بذلك السبب ، ومنها أنه يقوي الضعيف ويهضم الطعام ويعين على الباه ، ويسلي المحزون ، ويشجع الجبان ، ويسخي البخيل ويصفي اللون ، وينعش الحرارة الغريزية ويزيد في الهمة والاستعلاء ، ومن منافع الميسر : التوسعة على ذوي الحاجة ؛ لأن من قمر لم يأكل من الجزور ، وإنما كان يفرقه في المحتاجين ، وذكر فمنافع الخمر أن الواحد منهم كان ربما قمر في المجلس الواحد مائة بعير ، فيحصل له مال من غير كد وتعب ، ثم يصرفه إلى المحتاجين ، فيكتسب منه المدح والثناء . الواقدي