( 2290 ) مسألة : قال : ( فإن أراد التمتع ، وهو اختيار ، فيقول : اللهم إني أريد العمرة ) وجملة ذلك أن الإحرام يقع بالنسك من وجوه ثلاثة ; تمتع ، وإفراد ، وقران . فالتمتع أن يهل بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحج ، فإذا فرغ منها أحرم بالحج من عامه . والإفراد أن يهل بالحج مفردا . والقران أن يجمع بينهما في الإحرام بهما ، أو يحرم بالعمرة ، ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف . فأي ذلك أحرم به جاز . قالت أبي عبد الله : { عائشة } متفق عليه . فهذا هو خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، ومنا من أهل بحج . وأجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة شاء ، واختلفوا في أفضلها ، فاختار إمامنا التمتع ، ثم الإفراد ، ثم القران . التمتع والإفراد والقران
وممن روي عنه اختيار التمتع ، ابن عمر ، وابن عباس ، وابن الزبير وعائشة ، والحسن ، ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وجابر بن زيد والقاسم وسالم وعكرمة . وهو أحد قولي . وروى الشافعي المروذي عن : إن ساق الهدي ، فالقران أفضل ، وإن لم يسقه فالتمتع أفضل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرن حين ساق الهدي ومنع كل من ساق الهدي من الحل حتى ينحر هديه . وذهب أحمد ، وأصحاب الرأي إلى اختيار القران ; لما روى الثوري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنس } . متفق عليه . أهل بهما جميعا : لبيك عمرة وحجا ، لبيك عمرة وحجا
وحديث الصبي بن معبد ، حين لبى بهما ، ثم أتى فسأله فقال { عمر } وروي عن : هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم . ، قال : كنت جالسا عند مروان بن الحكم ، فسمع عثمان بن عفان يلبي بعمرة وحج ، فأرسل إليه ، فقال : ألم نكن نهينا عن هذا ؟ قال : بلى ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { عليا } . رواه يلبي بهما جميعا ، فلم أكن أدع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقولك سعيد . ولأن القران مبادرة إلى فعل العبادة ، وإحرام بالنسكين من الميقات ، وفيه زيادة نسك هو الدم ، فكان أولى .
وذهب ، مالك ، إلى اختيار الإفراد . وهو ظاهر مذهب وأبو ثور . وروي ذلك عن الشافعي ، عمر ، وعثمان ، وابن عمر ، وجابر وعائشة ، لما روت ، عائشة ، { وجابر } . متفق عليهما . وعن أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ابن عمر مثل ذلك . متفق عليهما . ولأنه يأتي بالحج تاما من غير احتياج إلى جبر ، فكان أولى . وابن عباس
قال : ألا إن الحج التام من أهليكم ، والعمرة التامة من أهليكم . وقال عثمان إبراهيم : إن ، أبا بكر ، وعمر ، وابن مسعود وعائشة ، كانوا يجردون الحج . ولنا ، ما روى ، ابن عباس ، وجابر وأبو موسى ، ، { وعائشة بالبيت ، أن يحلوا ، ويجعلوها عمرة } . فنقلهم من الإفراد والقران إلى المتعة ، ولا ينقلهم إلا إلى الأفضل . وهذه الأحاديث [ ص: 123 ] متفق عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه لما طافوا
ولم يختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم مكة ، أمر أصحابه أن يحلوا ، إلا من ساق هديا ، وثبت على إحرامه ، وقال : { } . قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ، ما سقت الهدي ، ولجعلتها عمرة : حججنا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ساق البدن معه ، وقد أهلوا بالحج مفردا ، فقال لهم : { جابر أحلوا من إحرامكم ، بطواف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم أقيموا حلالا ، حتى إذا كان يوم التروية ، فأهلوا بالحج ، واجعلوا التي قدمتم بها متعة . فقالوا : كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج ؟ فقال : افعلوا ما أمرتكم به ، فلولا أني سقت الهدي ، لفعلت مثل الذي أمرتكم به } . وفي لفظ : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : { } ، متفق عليهما فنقلهم إلى التمتع ، وتأسف إذ لم يمكنه ذلك ، فدل على فضله . ولأن التمتع منصوص عليه في كتاب الله تعالى بقوله : { قد علمتم أني أتقاكم لله ، وأصدقكم ، وأبركم ، ولولا هديي لحللت كما تحلون ، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ، ما أهديت . فحللنا ، وسمعنا ، وأطعنا فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } دون سائر الأنساك .
ولأن المتمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج مع كمالهما ، وكمال أفعالهما على وجه اليسر والسهولة ، مع زيادة نسك ، فكان ذلك أولى ، فأما القران فإنما يؤتى فيه بأفعال الحج ، وتدخل أفعال العمرة فيه ، والمفرد فإنما يأتي بالحج وحده ، التنعيم ، فقد اختلف في إجزائها عن عمرة الإسلام ، وكذلك اختلف في وإن اعتمر بعده من ولا خلاف في إجزاء عمرة القران ، فكان أولى . إجزاء التمتع عن الحج والعمرة جميعا ،
فأما حجتهم ، فإنما احتجوا بفعل النبي صلى الله عليه وسلم والجواب عنها من أوجه : الأول ، أنا نمنع أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم محرما بغير التمتع ، ولا يصح الاحتجاج بأحاديثهم لأمور ; أحدها ، أن رواة أحاديثهم قد رووا أن النبي صلى الله عليه وسلم تمتع بالعمرة إلى الحج ، روى ذلك ، ابن عمر ، وجابر ، من طرق صحاح ، فسقط الاحتجاج بها . الثاني ، أن روايتهم اختلفت ، فرووا مرة أنه أفرد ، ومرة أنه تمتع ، ومرة أنه قرن ، والقضية واحدة ، ولا يمكن الجمع بينها ، فيجب اطراحها كلها ، وأحاديث القران أصحها حديث وعائشة ، وقد أنكره أنس ، فقال : يرحم الله ابن عمر ، ذهل أنسا . متفق عليه . وفي رواية : كان أنس يتولج على النساء . يعني أنه كان صغيرا . وحديث أنس رواه علي حفص بن أبي داود ، وهو ضعيف ، عن ، وهو كثير الوهم . قاله ابن أبي ليلى . الثالث ، أن أكثر الروايات ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعا . روى ذلك الدارقطني ، عمر ، وعلي وعثمان ، ، وسعد بن أبي وقاص ، وابن عباس ، وابن عمر ، ومعاوية وأبو موسى ، ، وجابر ، وعائشة وحفصة ، بأحاديث صحيحة ، وإنما منعه من الحل الهدي الذي كان معه ، ففي حديث ، أنه قال { عمر } يعني العمرة في الحج . : إني لا أنهاكم عن المتعة ، وإنها لفي كتاب الله ، ولقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي حديث ، أنه اختلف هو علي وعثمان في المتعة بعسفان ، فقال : { علي } . متفق عليه . ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه ، وقال وللنسائي علي لعثمان : { } . وعن ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم تمتع ؟ قال : بلى ، قال : { ابن عمر } . وعنه أن تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج حفصة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم { } متفق عليهما . ما [ ص: 124 ] شأن الناس حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك ؟ فقال : إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي ، فلا أحل حتى أنحر
وقال : صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصنعناها معه . وهذه الأحاديث راجحة ; لأن رواتها أكثر وأعلم بالنبي صلى الله عليه وسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالمتعة عن نفسه ، في حديث سعد حفصة ، فلا تعارض بظن غيره . ولأن كانت متمتعة بغير خلاف ، وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم ولا تحرم إلا بأمره ، ولم يكن ليأمرها بأمر ، ثم يخالف إلى غيره . ولأنه يمكن الجمع بين الأحاديث ، بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أحرم بالعمرة ، ثم لم يحل منها لأجل هديه ، حتى أحرم بالحج ، فصار قارنا ، وسماه من سماه مفردا ; لأنه اشتغل بأفعال الحج وحدها ، بعد فراغه من أفعال العمرة ، فإن الجمع بين الأحاديث مهما أمكن أولى من حملها على التعارض . عائشة
الوجه الثاني في الجواب ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بالانتقال إلى المتعة عن الإفراد والقران ، ولا يأمرهم إلا بالانتقال إلى الأفضل ، فإنه من المحال أن ينقلهم من الأفضل إلى الأدنى ، وهو الداعي إلى الخير ، الهادي إلى الفضل ، ثم أكد ذلك بتأسفه على فوات ذلك في حقه ، وأنه لا يقدر على انتقاله وحله ، لسوقه الهدي ، وهذا ظاهر الدلالة . الثالث ، أن ما ذكرناه قول النبي صلى الله عليه وسلم وهم يحتجون بفعله ، وعند التعارض يجب تقديم القول ، لاحتمال اختصاصه بفعله دون غيره ، كنهيه عن الوصال مع فعله له ، ونكاحه بغير ولي ولا شهود ، مع قوله : { } . فإن قيل : فقد قال لا نكاح إلا بولي : كانت متعة الحج لأصحاب أبو ذر محمد صلى الله عليه وسلم خاصة . رواه . قلنا : هذا قول صحابي ، يخالف الكتاب والسنة والإجماع وقول من هو خير منه وأعلم ; أما الكتاب فقوله تعالى : { مسلم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج } وهذا عام . وأجمع المسلمون على إباحة وإنما اختلفوا في فضله ، وأما السنة فروى التمتع في جميع الأعصار ، سعيد ، حدثنا ، أنبأنا هشيم ، عن حجاج ، عن عطاء ، { جابر سراقة بن مالك سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، المتعة لنا خاصة ، أو هي للأبد ؟ فقال : بل هي للأبد } . أن
وفي لفظ قال : { } . وفي حديث ألعامنا أو للأبد ؟ قال : بل لأبد الأبد ، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة الذي رواه جابر في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ، ومعناه ، والله أعلم ، أن أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتع ، ويرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد شرع العمرة في أشهر الحج ، وجوز المتعة إلى يوم القيامة . وقال مسلم : كان أهل الجاهلية يرون العمرة في أشهر الحج أفجر الفجور ، ويقولون : إذا انفسخ صفر ، وبرا الدبر ، وعفا الأثر ، حلت العمرة لمن اعتمر . فلما كان الإسلام أمر الناس أن يعتمروا في أشهر الحج ، فدخلت العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة . رواه طاوس سعيد . وقد خالف أبا ذر ، علي ، وسعد ، وابن عباس ، وابن عمر ، وسائر الصحابة ، وسائر المسلمين ، قال وعمران بن حصين : { عمران تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ، ولم ينهنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسخها شيء } ، فقال فيها رجل برأيه ما شاء . متفق عليه .
وقال [ ص: 125 ] : { سعد بن أبي وقاص } - وهذا يومئذ كافر بالعرش . يعني الذي نهى عنها ، والعرش : بيوت فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني المتعة مكة . وقال ، حين ذكر له حديث أحمد : أفيقول بهذا أحد ، المتعة في كتاب الله ، وقد أجمع المسلمون على جوازها . أبي ذر
فإن قيل : فقد روى أبو داود ، بإسناده عن ، { سعيد بن المسيب ، فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن العمرة قبل الحج عمر } . قلنا : هذا حاله في مخالفة الكتاب والسنة والإجماع ، كحال حديث أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى ، بل هو أدنى حالا ، فإن في إسناده مقالا . أبي ذر
فإن قيل : فقد نهى عنها ، عمر ، وعثمان . قلنا : فقد أنكر عليهم علماء الصحابة نهيهم عنها ، وخالفوهم في فعلها ، والحق مع المنكرين عليهم دونهم ، وقد ذكرنا إنكار ومعاوية على علي ، واعتراف عثمان له ، وقول عثمان منكرا لنهي من نهى ، وقول عمران بن حصين عائبا على سعد نهيه عنها ، وردهم عليهم بحجج لم يكن لهم جواب عنها ، بل قد ذكر بعض من نهى عنها في كلامه ، ما يرد نهيه ، فقال معاوية : والله إني لأنهاكم عنها ، وإنها لفي كتاب الله ، وقد صنعها رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولا خلاف في أن من خالف كتاب الله وسنة رسوله ، ونهى عما فيهما ، حقيق بأن لا يقبل نهيه ، ولا يحتج به ، مع أنه قد سئل عمر ، أنهى سالم بن عبد الله بن عمر عن المتعة ؟ قال : لا ، والله ما نهى عنها عمر ، ولكن قد نهى عمر . وسئل عثمان عن متعة الحج ، فأمر بها ، فقيل : إنك تخالف أباك . قال : إن ابن عمر لم يقل الذي يقولون . ولما نهى عمر عن المتعة ، أمرت معاوية عائشة حشمها ومواليها أن يهلوا بها ، فقال : من هؤلاء ؟ فقيل : حشم أو موالي معاوية . فأرسل إليها : ما حملك على ذلك ؟ قالت : أحببت أن يعلم أن الذي قلت ليس كما قلت . وقيل عائشة : إن فلانا ينهى عن المتعة . قال : انظروا في كتاب الله ، فإن وجدتموها فيه ، فقد كذب على الله وعلى رسوله ، وإن لم تجدوها فقد صدق . فأي الفريقين أحق بالاتباع ، وأولى بالصواب ، الذين معهم كتاب الله وسنة رسوله ، أم الذين خالفوهما ؟ ثم قد ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي قوله حجة على الخلق أجمعين ، فكيف يعارض بقول غيره ؟ قال لابن عباس ، عن سعيد بن جبير : قال : { ابن عباس } فقال تمتع النبي صلى الله عليه وسلم عروة : نهى أبو بكر عن المتعة . فقال وعمر : أراهم سيهلكون ، أقول قال النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون نهى عنها ابن عباس أبو بكر . وسئل وعمر عن متعة الحج ، فأمر بها ، فقال : إنك تخالف أباك ، فقال : ابن عمر لم يقل الذي يقولون . فلما أكثروا عليه ، قال : أفكتاب الله أحق أن تتبعوا أم عمر ؟ . روى عمر هذا كله . الأثرم