الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 7590 ) فصل : ومعنى الهدنة ، أن يعقد لأهل الحرب عقدا على ترك القتال مدة ، بعوض وبغير عوض . وتسمى مهادنة وموادعة ومعاهدة ، وذلك جائز ، بدليل قول الله تعالى : { براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين } . وقال سبحانه وتعالى : { وإن جنحوا للسلم فاجنح لها } .

                                                                                                                                            وروى مروان ، ومسور بن مخرمة ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم صالح ، سهيل بن عمرو بالحديبية ، على وضع القتال عشر سنين } . ولأنه قد يكون بالمسلمين ضعف ، فيهادنهم حتى يقوى المسلمون . ولا يجوز ذلك إلا للنظر للمسلمين ; إما أن يكون بهم ضعف عن قتالهم ، وإما أن يطمع في إسلامهم بهدنتهم ، أو في أدائهم الجزية ، والتزامهم أحكام الملة ، أو غير ذلك من المصالح . إذا ثبت هذا ، فإنه لا تجوز المهادنة مطلقا من غير تقدير مدة ; لأنه يفضي إلى ترك الجهاد بالكلية . ولا يجوز أن يشترط نقضها لمن شاء منهما ; لأنه يفضي إلى ضد المقصود منها .

                                                                                                                                            وإن شرط الإمام لنفسه ذلك دونهم ، لم يجز أيضا . ذكره أبو بكر ; لأنه ينافي مقتضى العقد ، فلم يصح ، كما لو شرط ذلك في البيع والنكاح . وقال القاضي ، والشافعي : يصح ; { لأن النبي صالح أهل خيبر على أن يقرهم ما أقرهم الله تعالى } . ولا يصح هذا ، فإنه عقد لازم ، فلا يجوز اشتراط نقضه ، كسائر العقود اللازمة ، ولم يكن بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل خيبر هدنة ، فإنه فتحها عنوة ، وإنما ساقاهم ، وقال لهم ذلك .

                                                                                                                                            وهذا يدل على جواز المساقاة ، وليس هذا بهدنة اتفاقا ، وقد وافقوا الجماعة في أنه لو شرط في عقد الهدنة أني أقركم ما أقركم الله . لم يصح فكيف يصح منهم الاحتجاج به ، مع إجماعهم مع غيرهم على أنه لا يجوز اشتراطه ،

                                                                                                                                            ( 7591 ) فصل : ولا يجوز عقد الهدنة إلا على مدة مقدرة معلومة ; لما ذكرناه . قال القاضي : وظاهر كلام أحمد ، أنها لا تجوز أكثر من عشر سنين .

                                                                                                                                            وهو اختيار أبي بكر ، ومذهب الشافعي ; لأن قوله تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } . عام خص منه مدة العشر { لمصالحة النبي صلى الله عليه وسلم قريشا يوم الحديبية عشرا } ، ففيما زاد يبقى على مقتضى العموم . فعلى هذا ، إن زاد المدة على عشر ، بطل في الزيادة . وهل تبطل في العشر ؟ على وجهين ، بناء على تفريق الصفقة ، وقال أبو الخطاب : ظاهر كلام أحمد ، أنه يجوز على أكثر من عشر ، على ما يراه الإمام من المصلحة ، وبهذا قال أبو حنيفة ; لأنه عقد يجوز في العشر ، فجازت الزيادة عليها ، كعقد الإجارة ، والعام مخصوص في العشر لمعنى موجود فيما زاد عليها ، وهو أن المصلحة قد تكون في الصلح أكثر منها في الحرب .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية