الصبح موعدنا
عندما أغلقت عيادتي وضربت في الأرض قبل عقدين من الزمان؛ للعمل في إطار الصحة العامة على المستوى الدولي، لم يجل بخاطري آنذاك أنني بذلك أنتقل من المحيط الصغير للفرد المريض والعائلة الفقيرة إلى المحيط الكبير للمجتمعات الأفريقية الآسيوية المسحوقة والشعوب المحرومة في ديار المسلمين.
ومثلما حاولت جهدي -في محيطي الضيق- القيام بواجب التوعية، كأحد أبناء هـذه الأمة الصابرة؛ لتغيير المنكر قلبا [ ص: 19 ] ولسانا ويدا، أسعى الآن في المحيط الأرحب؛ ذلك أن: (القيام بخدمة المجتمع وتقديم العون له -وخصوصا للفئات الضعيفة فيه- عبادة رفيعة القدر لم يحسنها كثير من المسلمين اليوم، برغم ما ورد في الإسلام من تعاليم تدعو إلى فعل الخير وتأمر به، وتجعله فريضة يومية على الإنسان المسلم) [1] .
والفقر والمرض، والجوع والعطش، والأمية والجهل هـي -فضلا عن آلامها ومصاعبها- من ثغور الإسلام المفتوحة التي ينفذ منها الأعداء تحت ستار المساعدة على مكافحة التخلف، فالمرابطة -فيها دفاعا عن عزة الإيمان وكرامة المؤمنين، ورفعا للظلم عنهم- فرض عين على كل القادرين من ذوي الاختصاص وذوي السعة.
ومن هـذا المنطلق جاءت هـذه الدراسة عن أحوال المسلمين المحرومين والمآسي التي يعانونها وأبعادها؛ أفقيا وعموديا، جغرافيا وسكانيا، ومضاعفاتها وعقابيلها، لعل هـذا العرض الموضوعي الموثق يوضح الصورة المحزنة بل المخجلة أمام الله، ويثير الاهتمام اللازم، ويحث على العمل الجاد، ويذكر الجسد الواحد أن كثيرا من أعضائه يألم فلتتداع البقية بالسهر والحمى؛ ليكون المؤمنون في التواد والتراحم والتكافل ( كما وصفهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. ) (رواه الشيخان) [ ص: 20 ] إن أردت إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله.
فإلى المستضعفين في الأرض أقدم جهدي هـذا؛ سعيا متواضعا في سبيل تحسين حالهم وتخفيف آلامهم، بانتظار أن يعمهم العدل الشامل يوم يحكم الإسلام، عسى أن يكون هـذا اليوم قريبا بإذن الله، والصبح موعدنا.
( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ) (آل عمران:26) . [ ص: 21 ]