الخاتمـة:
* التخلف المادي الذي يخيم على المجتمعات المسلمة هـو نتيجة طبيعية للتخلف الفكري، نحن بحاجة ماسة لإيمان عميق وإخلاص كامل مع وعي وبصيرة، ومتى تيسر ذلك يأتي التخطيط الدقيق والعلم النافع والعمل المستمر، والتكافل المنشود، حينئذ نكسر طوق التخلف الذي يحيط بنا، ولكن لن يتغير حالنا إلى أن نغير نحن ما بنا: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) (الرعد:11) .
* التخلف الصحي هـو صورة من التخلف العام، ومكافحته تكون بمكافحة التخلف على مستوياته كافة وفي سائر الميادين، فلن تتحسن السوية الصحية ما لم تتحسن السوية التربوية والغذائية [ ص: 142 ] والاقتصادية والاجتماعية والبيئية في آن واحد معا. والجواب على تحدي الواقع المرضي هـو في التنمية الشاملة كما يقول البروفيسور آبل سميث : (في الفترة ما بين 1962 م - 1966م أجريت دراسة لتقويم آثار برامج المراكز الصحية على صحة الريف، وكانت هـذه المراكز توفر الخدمات العلاجية والوقائية؛ وكانت النتيجة تحسنا جزئيا في السوية الصحية للأطفال -دون سن الخامسة- إلا أن هـذا التحسن لم يدم، واستخلص من هـذه الدراسة أنه يجب تناول موضوع التخلف بأسلوب شامل، فتحسين السوية الصحية يحتاج لتحسين صحة البيئة؛ نظافة وسكنا وطرقا ومجارير، ورفع السوية الاقتصادية والاجتماعية؛ تربية وتثقيفا) [1] .
* والتنمية في مفهومنا الإسلامي تستهدف الإنسان أولا وأخيرا، فهي ليست تنمية غربية (رأسمالية أو ماركسية) بل تنمية إسلامية الأسلوب والغاية. فالتنمية الرأسمالية تؤدي إلى مجتمعات استهلاكية فارغة الفؤاد، قلقة النفس، تجعل التكنولوجيا إلهها المعبود، وهي أنانية تعيش بحبوحتها المادية على حساب بؤس الآخرين وفقرهم. والتنمية والنمو على كل حال ليس هـدفا وغاية بل وسيلة لحياة إنسانية أفضل، (والتطلع إلى موقف إنساني غير خاضع للتكنولوجيا ليس رجعية ولا انهزامية بل موقف تقدمي وجهد [ ص: 143 ] بطولي) [2] .
والخرافة التي تقول: (النمو هـو التقدم) ما هـي إلا (توراة الدمار) كما يقول: (ستيوارت أودال) [3] . والأسلوب الماركسي المادي يطعم الإنسان في الوقت نفسه الذي يقتل فيه إنسانيته، ويقود إلى ظهور قطعان بشرية مسلوبة الإرادة والحرية، يتلاعب بها الحزب (الراعي) كيف يشاء، (لذا فنظم النمو الاقتصادي المتقاربة في الغرب تنظر للعالم من الزاوية نفسها، لا تصلح للمجتمع الإسلامي) [4] .
* نريد تنمية مدروسة واقعية توضح الأولويات وتبني النتائج على المقدمات، وتتمسك بالعدل بين الناس في المغنم والمغرم، وفي الإنتاج والتوزيع؛ (ففي حالات كثيرة تكون التنمية الاقتصادية سببا في زيادة فقر الفقراء) [5] .
* نريد تنمية يشترك فيها الجميع حكاما ومحكومين في التخطيط والتنفيذ والمال والجهد، فإقالة المسلمين من عثراتهم واجب على الفرد القادر -بعلمه وماله ووقته- مثلما هـي واجب على أولى الأمر، ولا يكفي الطلب إلى أولي الأمر أن يعملوا بينما يقعد غيرهم [ ص: 144 ] متفرجين إذا أفسح لهم مجال العمل.
* العمل الاجتماعي بمفهومه الواسع الشامل هـو عبادة رفعية القدر، على حد تعبير فضيلة الدكتور القرضاوي ، ( والرسول الكريم يعلمنا: إن الله يريد من أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه ) . لذا يجب أن نتقنه حبا بإحسان العبادة، وحبا بالأجر والثواب، وحبا برفع الظلم والفاقة عن أبناء الأمة المحرومين وإعادة الأمن والطمأنينة إلى نفوسهم وأبدانهم.
* على الدعاة العالمين أن يكونوا في مقدمة الركب؛ لأن التخلف بأشكاله يشكل ثغورا إسلامية مفتوحة يجب المرابطة فيها، ودعوة الآخرين للمشاركة بهذا الفرض، فمن خلال التكافل وتوفير الحقوق الأساسية لأخوتنا المسلمين المحرومين وتحسين حالهم ندفع أيضا الأخطار التي تستهدف الوجود الإسلامي كله كأمة فاعلة في التاريخ الإنساني إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، بإذن الله، ( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) (التوبة:105) صدق الله العظيم. [ ص: 145 ]