الغذاء المفقود في المجتمعات المسلمة من المؤسف حقا بل من المخجل ألا يكون هـناك اكتفاء ذاتي -حتى الآن- في المواد الغذائية الأساسية في أية دولة مسلمة رغم غنى بعضها، والإمكانات الزراعية الضخمة لدى بعضها الآخر [1] .
فالدول التي تستهلك القمح أو الأرز كمادة أساسية في الغذاء تستورد من الخارج، وهذا (الخارج) معاد للإسلام في غالبه، لذا فالشعوب المسلمة الفقيرة جائعة أكثر الأوقات؛ لعدم حصولها على الغذاء الكافي، [ ص: 57 ] بل وفي بعضها مجاعة حقيقية، تحاول الجمعيات الأجنبية التنصيرية تخفيفها على حساب الكرامة والعقيدة. والدول المسلمة القادرة على شراء غذائها من الخارج معرضة لمضغوطات وابتزازات هـذا (الخارج) متى شاء ذلك. وإذا كانت الحبوب سلاحا تهدد -بفتح الدال- به أكبر دول العالم مثل الاتحاد السوفييتي الذي يشتري هـو أيضا غذاءه من الخارج، فباستطاعة الأخ القارئ أن يتفهم مدى خضوع الدول الصغيرة الفقيرة لتهديد الدول المصدرة لهذه المواد الغذائية؛ بيعا أو قروضا أو هـبات ذات أغراض سياسية خبيثة، وسيطرة اقتصادية أخبث.
ومن الطبيعي أن تعيق الدول الكبرى المصدرة للحبوب سبيل الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في الدول المستوردة، يقول الاقتصادي اللبناني السيد عدنان كريمة تحت عنوان: القمح الأمريكي والاكتفاء السعودي، ما يلي: (إثر جولة لبيع القمح شملت مصر وتونس والسعودية قال وزير الزراعة الأمريكي جون بلوك : أعتقد أننا وضعنا أنفسنا في موقع يمكننا من الحد من اندفاع السعودية نحو الاكتفاء الذاتي من القمح) . ولم يحدد الإجراءات التي اتفق مع الجانب السعودي على اتخاذها لتحقيق الهدف الأمريكي في زيادة مستوردات المملكة من القمح الأمريكي، ويضيف السيد كريمة : (يستدل من تصريح الوزير ( بلوك ) أنه مرتاح لنتائج مباحثاته، ومطمئن إلى أنها حققت على الأقل بعض نتائجها. ولكن هـل تم ذلك على حساب تحقيق التنمية الزراعية والوصول إلى الاكتفاء الذاتي؟ لا أعتقد ذلك؛ لأن أي بلد يستطيع أن يخطو خطوة إلى الأمام في تأمين الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية في [ ص: 58 ] عصرنا الحالي؛ حيث دخلت هـذه المواد الخطط الاستراتيجية وأصبحت أقرب إلى (السلعة السياسية منها إلى السلعة الاقتصادية) ، يمكن أن يتراجع إلى الوراء؛ لذلك فالسعودية تركز خطتها التنموية على تحقيق تنمية صناعية وزراعية تخفف من اعتمادها على الأسواق الخارجية، وتساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، وقدر موسم العام الحالي بما يتراوح بين: 500 و600 ألف طن. وقد تحققت هـذه النهضة الزراعية في حقول القمح خلال أربع سنوات، وهو إنجاز عظيم في إطار خطط التنمية الطموحة، ففي عام 1977م كان إنتاج المملكة من القمح في حدود ثلاثة آلاف طن فقط، غير أن سياسة الدولة لجهة تركيز اهتمامها على الزراعة ومنح المزارعين القروض الميسرة أدت إلى رفع الإنتاج إلى (400) ألف طن في العام 1982م وأكثر من ذلك في العام الحالي. وهذه السياسة أدت إلى خفض الواردات السعودية من القمح الأمريكي والدقيق إلى النصف منذ عام: 1979 م - 1980م، وبالطبع فإن الكمية المستوردة ستنخفض مع استمرار زيادة الإنتاج السعودي) [2] .
ومن أمثلة اعتماد المسلمين كليا على الاستيراد لسد الأفواه الجائعة أذكر اثنين فقط:
1 - نقلت الأخبار (أن دولة مصر العربية تستورد الطعام بما قيمته 8 ملايين دولار في اليوم الواحد) [3] . [ ص: 59 ] 2 - ونقلت الأخبار أيضا أن أندونيسيا ستضطر إلى استيراد مليونين ونصف من الأطنان أرزا عام 1983؛ نتيجة سوء موسم الحصاد الذي كان متوقعا بسبب الجفاف الذي مر على معظم مناطق زراعة الأرز، وستصبح أندونيسيا من أكبر مستوردي الأرز في العالم. جاء هـذا في تقرير للسفارة الأمريكية في (جاكرتا) ، نشرت تفاصيله وكالة يوناتيد برس انترناشونال [4] .
وما بين عام: 1967م - 1977م، زادت قيمة الواردات من منتجات الألبان أربعة أضعاف في البلدان الفقيرة، والمعتقد أن زيادة الواردات من مسحوق اللبن المستخدم في صناعة أغذية الأطفال بمختلف أنواعها هـي من العناصر الرئيسة التي تؤدي إلى تدهور ميزان المدفوعات في هـذه البلدان. (وعام 1980م بلغت واردات البلدان النامية من الأغذية (52300) مليون دولار أمريكي، بزيادة الثلث عن السنة السابقة) [5] .
ومن أمثلة الدول المسلمة التي تتعرض للمجاعة باستمرار بلاد ما يسمى بـ: (الساحل) ؛ أي حزام الجفاف الشديد في أفريقيا، ولقد سبق [ ص: 60 ] ذكرها، ارتفع فيها العجز في الحبوب إلى مليون طن، والمساعدات الواعدة لا تغطي إلا ربع المطلوب، كما أسلفت. وعندما لا تتقدم الدول المسلمة (الشقيقة) بالعون اللازم -على الأقل- بالنقد اللازم لشراء الغذاء فليس هـناك إلا الجمعيات التنصيرية. ولقد تعودت [6] هـذه شراء الجائعين من أطفال المسلمين.
وكأن متاجرة هـؤلاء بفقراء المسلمين لا تكفي حتى جاءت الآن بعض الشركات الأجنبية -وفيها بعض العرب كالمعتاد- لتسويق النفوس البشرية البائسة تحت ستار جمعيات: (الاستخدام والعمالة) . [ ص: 61 ] فلقد نشر تقرير في جريدة (الاتفاق) البنغلادشية اليومية، في معرض الحديث عن الفقر في (بنغلاديش) يذكر أن سماسرة أخذوا عدة آلاف من فتيات بنغلاديش، وكثيرات منهن كن يمارسن مهنة (الشحادة) ، إلى باكستان لينقلوهن بعد ذلك إلى دول ذات ثراء في العالم الإسلامي. [7] .
فأين أغنياء المسلمين يستمعون ( لحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : أيما مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة، وأيما مؤمن سقى مؤمنا على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسا مؤمنا على عري كساه الله من حلل الجنة. ) وأين زكاة الأموال المكنوزة ذهبا وفضة وأسهما وعقارات؟