كذلك أظهرت الدراسات في الولايات المتحدة نفسها العلاقة بين الدخل والمرض، فلقد تبين أنه توجد لدى أفراد الأسر الفقيرة أمراض مسببة للاعتلال والعجز (الطويل والقصير الأمد) ، أكثر مما في الأسر ذات الدخل المرتفع، كذلك الأمر في عدد أيام التغيب عن المدرسة والعمل، في كل الأعمار من الجنسين ذكورا وإناثا. والطريف أن هـذه الحالة قد استمرت رغم تنفيذ برامج توفير الرعاية [ ص: 32 ] الصحية للمسنين ولمن يعيشون على دخول منخفضة. كما أن التخلف العقلي يزيد انتشاره بين الذين يولدون في بيئة فقيرة، ويرجع ذلك إلى ارتفاع نسبة المخاطر المقترنة بالولادة من ناحية، وبالحرمان الثقافي -التعليمي- من ناحية أخرى [2] .
لذا (فليس غريبا أن يكون الوضع الصحي في البلاد المتخلفة متخلفا أيضا؛ مثل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتقنية) [3] .
فهو -أي: الوضع الصحي- على صلة وثيقة بهذه الأوضاع كلها، يفعل فيها ويتفاعل بها، فالصحة تلعب دورا هـاما -سلبا أو إيجابا- في الوضع الاقتصادي. والفقر -كما هـو معروف- حليف المرض كما هـو حليف الجهل، ولقد أوضح البروفيسور البريطاني ونسلو التأثير المتبادل بين الفقر والمرض بقوله: (في البلاد الفقيرة يمرض الرجال والنساء؛ لأنهم فقراء... ويزيد فقرهم عندما يصابون بالأمراض، ويشتد المرض عليهم لأنهم فقراء معدمون... وهكذا تتشكل الحلقة المفرغة ويستمر دوران المساكين المسحوقين فيها) [4] .
بعض الأرقام المعبرة [5] :في الجدول التالي مقارنة بين المؤشرات الصحية في البلاد المتقدمة والبلاد المتخلفة والبلاد المعدمة:
البلاد المتقدمة البلاد المتخلفة (النامية) أفقر بلاد العالم عدد السكان 1131 مليونا 3001 مليون 283 مليونا متوسط العمر المتوقع عند الولادة 72 سنة 60 سنة 45 سنة نسبة وفيات الرضع (لكل ألف ولادة) 19 / بالألف 41 / بالألف 200/ بالألف وزن الوليد 2.5 كيلو غرام أو أكثر في 93 % من الولادات في 83 % من الولادات في 70 % من الولادات نسبة المستفيدين من الماء الصالح للشرب 100 % 41 % 31 % الناتج القومي للفرد الواحد في العام 6230 دولارا 520 دولارا 170 دولارا نسبة الأميين في البالغين 2 % 45 % 72 % معدل الإنفاق العام على القطاع الصحي للفرد الواحد في السنة 244 دولارا 62 دولارا 1.7 دولار عدد السكان لكل طبيب 520 2700 17000
وهكذا نرى من الجدول أن خمس المواليد في الدول الفقيرة المعدمة يموتون في العام الأول لحياتهم، وفي عام 1981م مات 17 مليون رضيع في العالم، أكثر من 13 مليون منهم كانوا من الدول الفقيرة في [ ص: 34 ] أفريقيا وجنوبي آسيا [6] .
ويقول الخبراء: إن سوء التغذية هـو عامل منفرد في زيادة وفيات الأطفال في الدول الفقيرة؛ ولقد قدر أنه هـو العامل المسبب لـ: 28 % من وفيات الأطفال -دون سن الخامسة- في نيجيريا، و76% في مصر [7] .
كذلك يؤثر سوء التغذية في البلاد المعدمة على النساء الحوامل وعلى مواليدهن، فهناك 30% من المواليد دون الحد الأدنى للوزن الطبيعي، أما في البلاد المتقدمة الغنية فهذا أمر نادر الحدوث لا يقع إلا في 7% من حالات الولادة، ولا خطر منه في تلك البلاد، فالحاضنات الاصطناعية والعناية الفائقة في دور التوليد ترعى الوليد الناقص الوزن إلى أن يستوي على عوده.
أما الماء الصالح للشرب فليس متوفرا إلا لأقل من ثلث السكان في البلاد المعدمة، ويحضرني هـنا في هـذا المجال، قول السيدة (بربارا وورد) في موضوع توفير المياه الصالحة للشرب للناس الذين لا يحصلون عليها:
(إن الدول المتقدمة تصرف مائة مليار دولار سنويا على الخمور، كذلك تصرف حكومات العالم مجتمعة ثلاثمائة مليار دولار [8] سنويا [ ص: 35 ] على التسلح، ويكفي استعمال 3% فقط من مصروفات الخمور أو تخفيض 1% فقط من مصروفات التسلح لكي تتوفر المياه النظيفة للعالم كله) [9] .
وفقدان الماء الصالح للشرب، ونقص الغذاء، والأمراض التي تنتج عنهما، بالإضافة للأمراض السارية الأخرى تسبب وفاة أربعين ألف طفل في العالم كل يوم، كلهم تقريبا -وبالتحديد: 97% منهم- من الدول الفقيرة. وينام حوالي (100) مليون طفل كل يوم جائعين، ويصبح عشرة ملايين من هـؤلاء الجائعين معوقين جسميا وعقليا، يقول السيد (جيمس غرانت) : إن البنك الدولي قدر سنة 1980م أن عدد الناس الذين يعيشون في فقر مدقع بـ: (780) مليونا، وتنبأ أن عددهم سينخفض في أواخر الثمانينيات ليصبح (720) مليون نسمة فقط... إلا أن النظرة المتشائمة تقول: إن عددهم سيزيد ليصبح (800) مليون نسمة خلال هـذه الفترة [10] .