الفصل الثالث
الدعوة الإسلامية وفقه الواقع
ضـوابـط العـلاقـة
رأينا فيما سبق كيف اهتم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بالواقع، فكانت التوجيهات متناسقة ومنسجمة معه، وكذلك كانت اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم ودعوتهم، ولكن ذلك لم يكن اعتباطا، وإنما خاضعا لقواعد وأصول، تكون منها فيما بعد القدر المهم من مصادر التشريع الإسلامي.. لذلك فكل اجتهاد لا يندرج ضمن أصولها يعتبر اجتهادا ملغى.
هذه المصادر -القياس، الاستصلاح، الاستحسان، العرف، الاستصحاب- على اختلاف العلماء في اعتبارها والأخذ بها، حاضرة يرتبط بها الواقع ارتباطا وثيقا، وتمثل الباب الواسع لاجتهاد معاصر ودعوة راشدة تناسب الزمان والمكان، وبها تنضبط العلاقة بين الدعوة الإسلامية وفقه الواقع.
وبمقدار فقه الواقع وبحجم استيعابه ينجح الفقيه والداعية في تحقيق أغراض الدين ومقاصده، فالدين ليس كما يتوهم بعضهم [ ص: 143 ] قيدا يمنع الناس من حرياتهم أو يحجر عليهم، ولكنه إخراج لهم من الظلمات إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن الشر إلى الخير، ومن الحيرة إلى الطمأنينة. وأي تعامل مع الواقع أو طبقا له، ينبغي أن يؤطر بمقصد من هذه المقاصد، وهذا ما سنحاول توضيحه.