سابع عشر: العروض أوالتوضيحات العملية
هناك بعض الأعمال والمهارات الحركية التي تحتاج إلى تدريب عملي عليها لإتقانها على الوجه المطلوب، ولا يكفي فيها الشرح النظري، وهو ما أعنيه بالعروض أو التوضيحات العملية.
ولذلك نجد أن الرسول يقوم بتوضيح بعض الأعمال [ ص: 102 ] والشعائر توضيحا عمليا، وذلك مثل البيان العملي لأوقات الصلاة لمن سأل عنها، وقوله عقب ذلك: ( وقت صلاتكم بين ما رأيتم ) .
وقيامه بالوضوء أمام الصحابة، ثم قوله: ( من توضأ وضوئي هذا... ) .
وكذلك أداؤه الصلاة على المنبر، وقوله معللا ذلك: ( يا أيها الناس، إني صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي ) .
وكقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه البخاري: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) .
وكقوله وهو يؤدي مناسك الحج: ( لتأخذوا مناسككم ) . ونحو ذلك من المهـارات الحركية التي أداها أمام الصحابة رضي الله عنهم ، والتي ستتجلى في سياق الأحاديث الآتية:
أ- التوضيح العملي لأوقات الصلاة
فيما يتعلق بأوقات الصلاة، جاء قول الحق تبارك وتعالى: ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) (النساء:103 ) ، قال الإمام الشوكاني في تفسير هذه الآية: ( أي محدودا معينا، [ ص: 103 ]
والمعنى: أن الله افترض على عباده الصلوات، وكتبها عليهم في أوقـاتها المحـدودة، لا يجـوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي ) [1]
ولذلك حرص المسلمون على معرفة أوقات الصلوات من الرسول الذي قام بتوضيحها لهم توضيحا عمليا، كما جاء في الأحاديث الآتية:
59- ( عن عطاء بن يسار رضي الله عنه أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله، فسأله عن وقت صلاة الصبح، قال: فسكت عنه رسول الله، حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر، ثم قال: أيـن السـائل عـن وقـت الصـلاة ؟ قـال: هـأنـذا يـا رسول الله، فقال: ما بين هذين وقت ) . ( أسفر ) انكشف وأضاء [2] [ ص: 104 ]
60- روى مسلم عن بريدة رضي الله عنه عن النـبي، ( أن رجلا سأله عن وقت الصلاة، فقال له: صل معنا هذين -يعني اليومين - فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن، ثم أمره فأقام الظهر، ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية، ثم أمره فأقام المغرب حين غابت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أمره فأقام الفجر حين طلع الفجر. فلما أن كان اليوم الثاني أمره فأبرد بالظهر فأبرد بها ( الإبراد هو الدخول في البرد ) ، فأنعم أن يبرد بها. وصلى العصر والشمس مرتفعة، أخرها فوق الذي كان، وصلى المغرب قبل أن يغيب الشفق، وصلى العشاء بعدما ذهب ثلث الليل، وصلى الفجر فأسفر بها ( أي أدخلها في وقت إسفار الصبح، أي انكشافه وإضاءته ) . ثم قال: أين السائل عن وقت الصلاة؟ فقال الرجل: أنا يا رسول الله، قال: وقت صلاتكم بين ما رأيتم ) [3]
فههنا نجد أن الرسول لم يقدم للسائل عن وقت الصلاة إجابة شفوية، بل أحاله على الخبرة المباشرة التي هي أعلى مستويات التعليم كما هو معـلوم، حيث أمره بالصلاة معه لمدة يومين، [ ص: 105 ] وذلك ليتمكن من فهم وإدراك أوقات الصلاة عبر الممارسة الفعلية، وقد كان.
وفي هذا الصدد يقول الإمام النووي في شرح هذا الحديث: (فيه بيان أن للصلاة وقت فضيلة ووقت اختيار، وفيه أن وقت المغرب ممتد; وفيه البيان بالفعل فإنه أبلغ في الإيضاح، والفعل تعم فائدته السائل وغيره، وفيه تأخير البيان إلى وقت الحاجة، وهو مذهب جمهور الأصوليين ) [4]
ويلاحظ أن الرسول قد اتبع مع هذا السائل الوسيلة ذاتها التي اتبعها معه جبريل عليه السلام، أي وسيلة التوضيح العملي لأوقات الصلاة، وهو ما يتضح من خلال الحديث التالي:
61- عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: ( أمني جبريل عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق [ ص: 106 ] الفجر وحرم الطعام على الصائم. وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله، لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض. ثم التفت إلي جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت بين هذين الوقتين ) [5]
( الفيء ) ظل الشمس بعد الزوال.
( وجبت الشمس ) غابت.
ب- التوضيح العملي لكيفية الوضوء
لما كان الوضوء من المهارات الحركية التي لا يكفي فيها الشرح النظري، بل تحتاج لإتقانها إلى توضيح عملي، فقد حرص الرسول المعلم على أن يبين للصحابة الكرام رضوان الله عليهم كيفيته الكاملة بيانا عمليا، ونقله عنه هنا عثمان رضي الله عنه بالطريقة نفسها، كما يتضح من الحديث الآتي: [ ص: 107 ]
62- روى مسلم ( أن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، دعا بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك ثم قال: رأيت رسول الله توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله: من توضـأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين، لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه ) .
قال ابن شهاب: وكان علمـاؤنا يقـولـون: هذا الوضـوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة [6]
( استنثر ) الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق.
63- كما أخرج أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ( إن رجلا أتى النبي فقال: يا رسول الله كيف الطهور؟ فدعاء بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل ذراعيه ثلاثا، ثم مسح برأسه وأدخل إصبعيه السباحتين في أذنيه، [ ص: 108 ] ومسح بإبهاميه على ظاهر أذنيه وبالسباحتين باطن أذنيه، ثم غسل رجليه ثلاثا، ثم قال: هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم ) ( أو ظلم وأساء) ) [7]
جـ- التوضيح العملي لكيفية الصلاة
ولما كانت الصلاة أيضا من المهارات الحركية التي لا يكفي لأدائها على الوجه الصحيح الشرح النظري، فقد حرص الرسول المعلم على توضيحها توضيحا عمليا وهو على المنبر ذي الثلاث درجات، في صورة عجيبة من صور التعليم، تتجلى في الحديث الآتي:
64- أخرج البخاري عن أبي حازم قال: ( سألوا سهل بن سعد رضي الله عنه : من أي شيء المنبر؟ فقال: ما بقي بالناس أعلم مني، هو من أثل الغابة، عمله فلان مولى فلانة، لرسول الله، وقام عليه رسول الله حين عمل ووضع، فاستقبل القبلة، كبر وقام الناس خلفه، فقرأ وركع وركع الناس خلفه، ثم رفع رأسه، ثم رجع القهقرى، فسجد على الأرض، ثم عاد إلى المنبر، ثم ركع، ثم رفع [ ص: 109 ] رأسه، ثم رجع القهقرى، حتى سجد بالأرض، فهذا شأنه ) [8]
وفي رواية لمسلم: ( ... ولقد رأيت رسول الله، قام عليه وكبر الناس وراءه، وهو على المنبر، ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر، ثم عاد حتى فرغ من آخر صلاته، ثم أقبل على الناس، فقال: يا أيها الناس إني صنعت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي ) [9]
(من أي شيء المنبر ) أي من أي عود صنع ؟
( لتعلموا ) لتتعلموا.
ولأهمية الجانب العملي في تعلم الصلاة، أمر رسول الله أمته بأن تفعل كفعله في هذه الفريضة العظيمة، كما يتضح من الحديث الآتي:
/
65- أخرج البخاري ( أن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: أتينا إلى النبي، ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين [ ص: 110 ] يوما وليلة، وكان رسول الله رحيما رفيقا، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا، أو قد اشتقنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: ارجعوا إلى أهليكم، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم -وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها- وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم ) [10]
( شببة متقاربون ) شباب متقاربون في السن.
ففي هذا الحديث نجد أن هذه المجموعة من الشباب المتقاربين في السن، قد تركوا أهلهم وحضروا إلى المدينة المنورة لتعلم شرائع الإسلام على يدي الرسول المعلم فيما يشبه الدورة التدريبية، وقد قال لهم الرسول في ختام وصاياه وتوجيهاته لهم (وهو يودعهم ) :
( صلوا كما رأيتموني أصلي ) ، تأكيدا لأهمية الصلاة من ناحية، ولفتا لأنظارهم للتركيز على القدوة العملية فيها من ناحية أخرى.
ومن الجدير بالتأمل والملاحظة هنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كما علم [ ص: 111 ] أصحابه الصلاة بطريقة عملية، فقد تلقاها هو أيضا بطريقة عملية، حيث أمه جبريل عليه السلام وصلى به الصلوات الخمس، ومما ورد في ذلك:
66- أخرج مسلم عن بشير بن أبي مسعود رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول: ( نزل جبريل، فأمني فصليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه، ثم صليت معه ( يحسب بأصابعه خمس صلوات ) )
وفي روايـة: ( ( أن جبريل نزل فصلى، فصلى رسول الله، ثم صلى فصلى رسـول الله، ثم صـلى فصلى رسول الله، ثم صلى فصـلى رسـول الله ثم صـلى فصلى رسول الله، ثم قال: بهذا أمرت ) .
قال النووي: قوله: ( إن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله ) وكرره هكذا خمس مرات، معناه: أنه كلما فعل جزءا من أجزاء الصلاة فعله النبي بعده، حتى تكاملت صلاته ) [11] [ ص: 112 ]
د- التوضيح العملي لمناسك الحج
عندما عزم رسول الله على الحج أعلن ذلك في الناس، ليأتي من استطاع منهم للحج معه، ليأخذوا مناسك الحج عنه عن طريق القدوة العملية.
وفي ذلك أخـرج الإمـام مسلم (عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله مكث تسع سنين لم يحج. ثم أذن في الناس في العاشرة، أن رسول الله حاج. فقدم المدينة بشر كثير، كلهم يلتمس أن يأتم برسول الله، ويعمل مثل عمله ) .
قال النووي: (قوله: ثم أذن في الناس في العاشرة أن رسول الله حاج، معناه: أعلمهم بذلك وأشاعه بينهم ليتأهبوا للحج معه، ويتعلموا المناسك والأحكام، ويشهدوا أقواله وأفعاله، ويوصيهم ليبلغ الشـاهد الغائب، وتشيع دعوة الإسلام، وتبلغ الرسالة القريب والبعيد ) [12]
وبالفعل حج عدد كبير من الناس. وأمرهم رسول الله أن يقتدوا بفعله:
67- أخرج مسلم عن أبي الزبير، أنه سمع جابرا رضي الله عنه [ ص: 113 ]
يقول: رأيت النبي يرمي على راحلته يوم النحر، ويقول: ( لتأخذوا مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ) .
قال النووي: قوله ( لتأخذوا مناسككم ) ، فهذه اللام لام الأمر، ومعناه: خذوا مناسككم، وهكذا وقع في رواية غير مسلم، وتقديره: هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته وهي مناسككم، فخذوها عني واقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس. وهذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج، وهو نحو قوله في الصلاة: ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) [13]
هـ- درس عملي في الاعتماد على النفس ومكافحة المسألة 68- عن أنس رضي الله عنه ( أن رجلا من الأنصار جاء إلى النبي يسأله، فقال: ( لك في بيتك شيء؟ قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيه الماء، قال: ائتني [ ص: 114 ]
بهما، قال: فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله بيده، ثم قال: من يشتري هذين ؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: من يزيد على درهم ؟ ( مرتين أو ثلاثا) ، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما، فأتني به، ففعل. فأخذه رسول الله، فشد فيه عودا بيده، وقال: اذهب فاحتطب ولا أراك خمسة عشر يوما، فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فقال: اشتر ببعضها طعاما وببعضها ثوبا، ثم قال: هذا خير لك من أن تجيء والمسألة نكتة في وجهك يوم القيامة. إن المسألة لا تصلح إلا لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو دم موجع ) [14]
( الحلس ) ما يبسط في البيت تحت حر المتاع.
( القدوم ) آلة للنجر والنحت.
( نكتة ) بقعة سوداء. [ ص: 115 ]
قال الخطابي: ( فقر مدقع ) هو الفقر الشديد.
( والغرم المفظع ) هو أن تلزمه الديون الفظيعة الفادحة.
( والدم الموجع ) هو الدية الباهظة تلزمه، أو أن يتحمل حمالة في حقن الدماء وإصلاح ذات البين، فتحل له المسألة [15]
في هذا الحديث الشريف يتجلى أمامنا موقف تعليمي رائع، فالرسول كان بإمكانه أن يمنح السائل شيئا من ماله، أو يندب الصحابة إلى إعطائه ما يسد حاجته ذلك اليوم أو بضعة أيام. غير أنه أراد أن يلقن ذلك السائل القادر على الكسب والحاضرين جميعا درسا عمليا في الاعتماد على النفس، وذم المسألة وبيان عواقبها الوخيمة على الإنسان في الدنيا والآخرة.
لقد تولى رسول الله بنفسه بيع ممتلكات السائل الزهيدة، في مزاد علني، ثم أمره أن يشتري بدرهم طعاما لأهله وبالآخر قدوما. وقد حرص عليه الصلاة والسلام على أن يشد في القدوم عودا بيده الشريفة، إظهارا لأهمية الموقف وجدية الأمر وشرف العمل، ثم أمره أن يحتطب ويتكسب من بيع الحطب. [ ص: 116 ]
وبعد ذلك جاءت التوجيهات النبوية المبينة للحالات التي تجوز فيها المسألة، وذلك بعد حل مشكلة السائل الملحة، لتكون تلك التوجيهات خاتمة موفقة لهذا الدرس العملي البليغ الذي استمر خمسة عشر يوما. إنه موقف تعليمي لا يمكن أن ينساه السائل وكل من حضره. هذا إلى جانب كونه ضربا من التدريب المهني لهذا الشاب العاطل عن العمل، ليغدو فردا نافعا لنفسه وأهله ومجتمعه.
و- درس عملي في إظهار عجز الأصنام ومهانتها
69- ( عن عبد الله بـن مسعـود رضي الله عنه قال: دخل النبي مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا، فجعل يطعنها بعود في يده، وجعل يقول: ( جاء الحق وزهق الباطل ) ) إلخ الآية [16]
( نصبا ) صنما.
وههنا نجد أن عملية الطعن بالعود لهذه الأصنام هو درس عملي تضمن تحقيرا لشأنها، وإظهارا لمهانتها، وإثباتا لعجزها عن أن [ ص: 117 ] تدفع الضرر عن نفسها بما هو أوقع في نفوس الحاضرين وهم ألوف من مجرد القول إنها لا تنفع ولا تضر.
ز- صورة من صور التدريب المهني
70- أخرج ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ( أن رسول الله مر بغلام يسلخ شاة، فقال له رسول الله: ( تنح حتى أريك، فأدخل رسول الله يديه بين الجلد واللحم، فدحس بها حتى توارت إلى الإبط، وقال: يا غلام هكذا فاسلخ، ثم مضى وصلى للناس ولم يتوضأ ) [17]
( الدحس ) هو إدخال اليد بين جلد الشاة ولحمها.
إن هذا الحديث الشريف إلى جانب كونه برهانا على اعتماد الرسول على التوضيح العملي في تعليم أصحابه رضي الله عنهم المسائل التي تتطلب ذلك، فإنه يمثل أيضا لونا من ألوان التدريب المهني لهذا الشاب المسلم ومن شارك في ذلك الموقف التعليمي، ويتضمن توجيها نبويا للأمة المسلمة في كل العصور للعناية بتدريب أبنائها على المهن التي تتطلبها حاجات المجتمع المسلم. [ ص: 118 ]
م- دروس عملية في موضوعات شتى
71- جاء في حديث الثلاثة الذين تكلموا في المهد، الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة: ( وكانت امرأة ترضع ابنا لها من بني اسرائيل، فمر بها رجل راكب ذو شارة، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فتـرك ثديـها وأقـبل على الراكب فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه. قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي يمص إصبعه ) [18]
( ذو شارة ) صاحب هيئة وملبس حسن.
72- أخرج الإمام أحمد في مسنده ( عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: بينا نحن عند رسول الله في قريب من ثمانين رجلا من قريش، ليس فيهم إلا قرشي، لا والله ما رأيت صفحة وجوه رجال قط أحسن من وجوههم يومئذ. فذكروا النساء فتحـدثوا فيهن، فتحدث معهم حتى أحببت أن يسكت، ثم أتيته فتشهد ثم قال: أما بعد يا معشر قريش فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله تعالى، فإذا عصيتموه بعث إليكم من [ ص: 119 ] يلحاكم كما يلحى هذا القضيب، لقضيب في يده، ثم لحا قضيبه فإذا هو أبيض يصلد
) [19]
قال الشيخ البنا: يقال لحوت الشجرة ولحيتها والتحيتها إذا أخذت لحاءها وهو قشرها، ويصلد: أي يبرق [20]