الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      كتاب الطهارة

                                                                                                                      بدأ بذلك اقتداء بالأئمة ، كالشافعي ; لأن آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة ، والطهارة شرطها ، والشرط مقدم على المشروط وهي تكون بالماء والتراب [ ص: 23 ] والماء هو الأصل وبدأ بربع العبادات اهتماما بالأمور الدينية وتقديما لها على الأمور الدنيوية ، وقدموا المعاملات على النكاح وما يتعلق به لأن سبب المعاملات - وهو الأكل والشرب ونحوهما - ضروري يستوي فيه الكبير والصغير وشهوته مقدمة على شهوة النكاح .

                                                                                                                      وقدموا النكاح على الجنايات والمخاصمات ; لأن وقوع ذلك في الغالب بعد الفراغ من شهوة البطن والفرج والكتاب : مصدر بمعنى المكتوب كالخلق بمعنى المخلوق ، يقال : كتب كتبا وكتابا وكتابة ، ومعناها : الجمع يقال : كتبت البغلة إذا جمعت : بين شفرتها بحلقة أو سير .

                                                                                                                      قال سالم بن دارة

                                                                                                                      : لا تأمنن فزاريا خلوت به على قلوصك واكتبها بأسيار

                                                                                                                      أي واجمع بين شفريها ومنه الكتيبة وهي الجيش .

                                                                                                                      والكتابة بالقلم لاجتماع الكلمات والحروف وأما الكثبة بالمثلثة فالرمل المجتمع واعترض القول بأن الكتاب مشتق من الكتب بأن المصدر لا يشتق من مثله وجوابه : أن المصدر في نحو ذلك وأريد به اسم المفعول كما تقدم ، فكأنه قيل المكتوب للطهارة أو المكتوب للصلاة ونحوها ، أو أن المراد به الاشتقاق الأكبر ، وهو اشتقاق الشيء لما يناسبه مطلقا ، كالبيع مشتق من الباع أي مأخوذ منه وإن المصدر المزيد مشتق من المصدر المجرد كما نص عليه بعضهم .

                                                                                                                      وكتاب الطهارة : خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا كتاب الطهارة ، أو مبتدأ خبره محذوف ، أو مفعول لفعل محذوف ، وكذا تقدر في نظائره الآتية ( وهي ) أي الطهارة لغة النظافة والنزاهة عن الأقذار حسية كانت أو معنوية ، ومنه ما في الصحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان إذا دخل على مريض قال لا بأس ، طهور إن شاء الله } أي مطهر من الذنوب ، والطهارة مصدر طهر يطهر بضم الهاء فيهما وهو فعل لازم لا يتعدى إلا بالتضعيف فيقال طهرت الثوب ، ومصدر [ ص: 24 ] طهر بفتح الهاء الطهر ، كحكم حكما .

                                                                                                                      وشرعا : ( ارتفاع الحدث ) أكبر كان أو أصغر أي زوال الوصف المانع من الصلاة ونحوها باستعمال الماء في جميع البدن أو في الأعضاء الأربعة على وجه مخصوص وعبر بالارتفاع ليطابق بين المفسر والمفسر ، ولم يعبر بالرفع - كما عبر به جمع ; لأنه تعريف للتطهير لا الطهارة ، ولكن سهله كون الطهارة أثره وناشئة عنه وسمي الوضوء والغسل طهارة لكونه ينقي الذنوب والآثام كما في الإخبار ( وما في معناه ) أي معنى ارتفاع الحدث كالحاصل بغسل الميت ; لأنه تعبدي لا عن حدث والحاصل بغسل يدي القائم من نوم الليل والوضوء والغسل المستحبين والغسلة الثانية والثالثة ونحو ذلك .

                                                                                                                      ( وزوال النجس ) سواء كانت إزالته بفعل فاعل كغسل المتنجس ، أو بنفسه كزوال تغير الماء الكثير وانقلاب الخمرة خلا ( أو ارتفاع حكم ذلك ) أي الحدث وما في معناه والنجس ، إما بالتراب كالتيمم عن حدث أو نجس ببدن ، أو عن غسل ميت أو عن وضوء أو غسل مسنون وإما بالأحجار نحوها في الخارج من سبيل على ما يأتي تفصيله وأو في كلامه للتنويع وهذا الحد أجود ما قيل في الطهارة وقد عرفت بحدود كثيرة وكلها منتقدة ، .

                                                                                                                      وما حذفه من عبارة التنقيح والمنتهى ليس من الحد بل من المحدود ، كما نبه عليه في حاشيته على التنقيح ، وقوله أو ارتفاع حكم ذلك أولى من قولهما : أو ارتفاع حكمهما : لما قدمته في تفسيره ، وحيث أطلق لفظ الطهارة في كلام الشارع ، إنما ينصرف إلى الموضوع الشرعي ، حيث لا صارف ، وكذا كل ماله موضوع شرعي ولغوي كالصلاة فكتاب الطهارة هو الجامع لأحكام الطهارة من بيان ما يتطهر به ، وما يتطهر له ، وما يجب أن يتطهر منه إلى غير ذلك .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية