هذا ضابط تجري بمقتضاه العواطف والميول على التوسط والاعتدال ، والأصل فيه وصية لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : فقد نقل الماوردي في مبحث أدب الصـديق من كتابه أدب الدنيا والدين: «وينبغي أن يتوقى الإفراط في محبته، فإن الإفراط داع إلى التقصير، ولأن تكون الحال بينهما نامية أولى من أن تكون متناهية... قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: لا يكن حبك كلفا ولا بغضك تلفا» [1] .
وقال أبو الأسود الدؤلي :
وكن معدنا للخير واصـفح عن الأذى فإنك راء ما علمت وسامع وأحبب إذا أحببت حبا مقاربا
فإنك لا تدري متى أنت نازع وأبغض إذا أبغضت غير مباين
فإنك لا تدري متى أنت راجـع
لا تأمنن من مبغض قرب داره ولا من محب أن يمل فيبعدا
فقال تعالى: ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) (الحديد: 23) ،
والمقصود التخفيف من شدة الحزن، وعدم البطر والزهو بالرزق والنعمة.
وحذر القرآن الكريم أن تكون العـداوة سببا للظلم والحيف عند المخاصمة والقضاء،
فقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) (المائدة: 8) .
وإن حصل خلاف بين الناس فيجب ألا يندفعوا إلى العداوة والبغضاء والقطيعة، وحرم الإسلام الهجر فوق ثلاثة أيام، كما يجب ألا يحملهم الحب والصداقة والمودة على الوقوع في المحظورات والتساهل في العورات... وفي ذلك ورد الحديث الشريف ( عن ابن عمر ، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحبب حبيبك هونا ما، عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وأبغض بغيضك هونا ما، عسى أن يكون حبيبك يوما ما ) [3] . [ ص: 86 ]