الحق يقبل من أي جهة جاء
يقبل الحق من أي جهة جاء، لكونه موافقا للدليل، فلا أثر للمتكلم به في قبوله أو رفضه، ولهذا كان أهل السنة يقبلون ما عند جميع الطوائف من الحق، ويردون ما عندها من الباطل، بغض النظر عن الموالي منها أو المعادي.
قال تعالى: ( فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) (البقرة: 213) .
( وفي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ... اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) [1] .
قال ابن القيم ، رحمه الله: فمن هداه الله -سبحانه- إلى الأخذ بالحق حيث كان ومع من كان، ولو كان مع من يبغضه ويعاديه، ورد الباطل مع من كان ولو كان مع من يحبه ويواليه، فهو ممن هدى الله لما اختلف فيه من الحق.
وقال تعالى: ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ) (المائدة: 8) ، ومن العدل فيهم قبول ما عندهم من الحق. [ ص: 193 ] ولما دل الشـيطان أبا هريرة رضي الله عنه ، إلى آية الكرسي لتكون له حرزا من الشـيطان، وذلك مقابل فكه من الأسـر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب ) [2] .
وقد قبل عليه الصلاة والسلام الحق من بعض اليهود، ( فعن قتيلة -امرأة من جهينة- أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال إنكم تنددون وإنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا ورب الكعبة، ويقولون ما شاء الله ثم شئت. ولما قال رجل لعبد الله بن مسـعود رضي الله عنه : علمني كلمات جوامع موانع، قال له: لا تشـرك بالله، وزل مع القـرآن حيث زال، ومن جـاءك بالحق فأقبل منه، وإن كان بعيدا رفيضـا، ومن جاءك بالباطـل فرده عليه، وإن كان قريبا حبيبا ) [3] .
" وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه ، يقول: اقبلوا الحق من كل من جاء به، وإن كان كافرا -أو قال فاجرا- واحذروا زيغة الحكيم، قالوا: كيف نعلم أن الكافر يقول كلمة الحق؟ قال: إن على الحق نورا. "
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية ، رحمه الله: «ولكن الحق يقبل من كل من تكلم به» [4] . [ ص: 194 ]