القرآن عربي والسنة عربية فلا يفهمان إلا بلغة العرب
هذه القاعدة مما اتفق عليه جمهور علماء الأصول، وتظهر أهميتها في الوسطية من وجهين: الأول: باعتبارها أصـلا يرجع إليه ومحددا ضروريا في عملية الفهم، فلا يقبل طريق آخر في تفهم مصادر التشريع، ومن سلك غير هذا السبيل كان منحرفا عن الواضحات.
الثاني: أن الاختلاف في منهج فهم النصوص نتيجة دخول أقوام من غير العرب في الإسلام كان سببا رئيسا لوضع الشافعي ، رحمه الله، لعلم أصول الفقه، ويعلم من له أدنى معرفة بعلوم الشريعة أن أغلب ما في أصول الفقه مستمد من لغة العرب وقواعدها وأساليبها في الخطاب. وقد اعتبر الشافعي، رحمه الله، بصنيعه هذا مؤسس الوسطية ورائدا من روادها الكبار إذ درأ الله به من الفساد ما لا يعلمه إلا هو سـبحانه، وربما كانت هذه الحقيقة ما عناه الإمام أحمد، رحمه الله، حين عده كالشمس وكالعافية للناس.
وهذه القاعدة أم وأصل لمئات القواعد الأصولية التي لا يفهم النص الشرعي إلا بها وعن طريقها، ومن ثم فإن كل من تنكب هذا السبيل تحت دعاوى الحرية الفكرية وما شابهها من الآراء التي لا تجري على سنن علماء الشريعة، عد مجانبا للحق مائلا عن وسطية الفهم.
أنـزل الله سبحانه وتعالى كتابه الكريم بلغة العرب، كما قال فيه: ( بلسان عربي مبين ) (الشعراء: 195) ، ( ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا [ ص: 213 ] لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي ) (فصلت: 44) ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عربي اللسان والدار، ولما كان الأمر كذلك، فإنه لا سبيل إلى فهم هذه الشريعة، قرآنا وسنة، إلا بواسطة العربية، وفي هذا قال الشاطبي : «إن هذه الشريعة المباركة عربية لا مدخل فيها للألسن العجمية... وأن القرآن نـزل بلسان العرب على الجملة فطلب فهمه إنما يكون من هذه الطريق خاصة» [1] .
ولهذا قرر العلماء وجعلوا: «معرفة العربية فرضا واجبا؛ لأنها من الدين، حيث إن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهمان إلا بالعربية -وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب-» [2] .
قال الإمام مالك ، رحمه الله: «لو صرت من الفهم في غاية، ومن العلم في نهاية، فإن ذلك يرجع إلى أصلين: كتاب الله العزيز وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا سبيل إليهما وإلى الرسوخ فيهما إلا بمعرفة اللسان العربي، ذلك أن اللسان العربي به أنـزل الله كتابه، ونهج لعباده أحكامه، فهو أصل الدين وفرع الشريعة، فمن الحق الواجب المهم اللازم للمؤمن أن يقدم في تعلمه اللسان العربي، فلو أن الرجل يكون عالما بسائر العلوم جاهلا به لكان كالسـاري وليس له ضياء» [3] . [ ص: 214 ]