وأما - : فروينا من طريق من نذر نحر نفسه أو ابنه عن عبد الرزاق : أخبرني ابن جريج قال : سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول : سئل القاسم بن محمد بن أبي بكر عمن نذر أن ينحر ابنه ؟ فقال : لا ينحر ابنه ، وليكفر عن يمينه ، فقيل ابن عباس : كيف تكون في طاعة الشيطان كفارة ؟ فقال لابن عباس { ابن عباس الذين يظاهرون } ثم جعل فيه من الكفارة ما رأيت .
قال : لا حجة أبو محمد في هذه الآية . لابن عباس
أول ذلك - : أنه لم يجعل هو في طاعة الشيطان التي شبهها بطاعته في الظهار ، الكفارة التي في الظهار ويكفي هذا - ثم لو طرد هذا القول لوجبت في كل معصية كفارة يمين - وهذا لا يقوله هو ولا غيره .
وقد صح عنه فيمن ، أنها لا تحرم بذلك ، ولم يجعل فيه كفارة - وهذا أصح أقواله - : وقد روينا عنه غير هذا من طريق قال لامرأته : أنت علي حرام عن ابن جريج ، قال : جاء رجل إلى عطاء فقال له : نذرت لأنحرن نفسي ؟ فقال ابن عباس { ابن عباس لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } { وفديناه بذبح عظيم } فأمره بكبش ، قال : يذبح الكبش عطاء بمكة ، قال : فقلت ابن جريج : لعطاء ؟ فقال : جزور أو بقرة ؟ فقلت له : أمره نذر لينحرن فرسه أو بغلته بكبش في نفسه ، وتقول في الدابة جزور ؟ فأبى ابن عباس إلا ذلك . عطاء
قال : وليس في هذه الآية أيضا حجة أبو محمد ; لأن لابن عباس إبراهيم عليه السلام لم ينذر ذبح ولده ، لكن أمره الله تعالى بذبحه فكان فرضا عليه أن يذبحه ، وكان نذر الناذر نحر ولده أو نفسه معصية من كبار المعاصي ، ولا يجوز أن تشبه الكبائر بالطاعات . [ ص: 262 ] وأيضا - فإننا لا ندري ما كان ذلك الذبح الذي فدي به إسماعيل عليه السلام ، فبطل هذا التشبيه - وروينا عنه قولا ثالثا أيضا - : كما روينا من طريق عن عبد الرزاق عن معمر عن أبيه عن ابن طاوس أنه قال في رجل نذر أن ينحر نفسه ، قال : ليهد مائة ناقة . ومن طريق ابن عباس عن شعبة قال : سمعت عمرو بن مرة قال : جاء رجل إلى سالم بن أبي الجعد فقال له : إني كنت أسيرا في أرض العدو فنذرت إن نجاني الله أن أفعل كذا ، وأن أنحر نفسي ، وإني قد فعلت ذلك ؟ قال وفي عنقه قد فأقبل ابن عباس على امرأة سألته وغفل عن الرجل ، فانطلق لينحر نفسه ، فسأل ابن عباس عنه ؟ فقيل له : ذهب لينحر نفسه ، فقال علي بالرجل ؟ فجاء ، فقال : لما أعرضت عني انطلقت أنحر نفسي ؟ فقال له ابن عباس : لو فعلت ما زلت في نار جهنم ، انظر ديتك فاجعلها في بدن فأهدها في كل عام شيئا ، ولولا أنك شددت على نفسك لرجوت أن يجزيك كبش - وهذه آثار في غاية الصحة . ابن عباس
ومن طريق عن قتادة : أنه أفتى رجلا نذر أن ينحر نفسه ، فقال له : أتجد مائة بدنة ؟ قال : نعم ، قال : فانحرها ، فلما ولى الرجل قال ابن عباس : أما لو أمرته بكبش لأجزأ عنه . ابن عباس
ومن طريق أخبرني ابن جريج عمرو بن دينار : أن عكرمة أخبره أن رجلا أتى إلى فقال له : لقد أذنبت ذنبا لئن أمرتني لأنحرن الساعة نفسي والله لا أخبركه فقال له ابن عباس : بلى ، لعلي أن أخبرك بكفارة ، قال فأبى ، فأمره بمائة ناقة - وهذا أيضا إسناد صحيح . ابن عباس
وروينا من طريق ساقطة فيها ابن حبيب الأندلسي : أن ، عليا ، وابن عباس أفتوا فيمن نذر أن يهدي ابنه ؟ أن يهدي مائة من الإبل قال وابن عمر ابن حبيب : وحدثني ابن المغيرة عن عن الثوري إسماعيل بن أمية عن عثمان بن حاضر أنهم ثلاثتهم سئلوا عن ذلك بعد ذلك ؟ فقالوا : ينحر بدنة ، فإن لم يجد فكبشا .
قال : فهذه أقوال عن أبو محمد صحاح ليس بعضها أولى من بعض ولا حجة في أحد غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن عباس وغيره لم يعصم من [ ص: 263 ] الخطأ ، ومن قلدهم فقد خالف أمر الله تعالى في أن لا نتبع ما أنزل إلينا ، ولكل واحد من الصحابة رضي الله عنهم فضائل ومشاهد تعفو عن كل تقصير وليس ذلك لغيرهم . وابن عباس
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر قال : سأل رجل أيوب السختياني عن رجل نذر نذرا لا ينبغي له ذكر ; لأنه معصية ؟ فأمره أن يوفيه - ثم سأل سعيد بن المسيب عكرمة ؟ فنهاه عن الوفاء به ، وأمره بكفارة يمين فرجع إلى فأخبره ؟ فقال سعيد بن المسيب : لينتهين سعيد عكرمة أو ليوجعن الأمراء ظهره ، فرجع إلى عكرمة فأخبره ؟ فقال له عكرمة : إذ بلغتني فبلغه ، أما هو فقد ضربت الأمراء ظهره ، وأوقفوه في تبان شعر ، وسله عن نذرك أطاعة لله هو أم معصية ؟ فإن قال : معصية لله ، فقد أمرك بالمعصية ؟ وإن قال هو طاعة لله ، فقد كذب على الله ، إذ زعم أن معصية الله طاعة له ؟ قال : وروينا من طريق أبو محمد عن عبد الرزاق يحيى بن العلاء عن رشدين بن كريب مولى { ابن عباس } . أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني نذرت أن أنحر نفسي ؟ فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يهدي مائة ناقة ، وأن يجعلها في ثلاث سنين ، قال : فإنك لا تجد من يأخذه منك بعد أن سأله : ألك مال ؟ فقال : نعم
وقد خالف الحنفيون ، والمالكيون ما روي عن الصحابة في هذا ، فلا ما يوهمون من اتباع الصحابة التزموا ، ولا النص المفترض عليهم اتبعوا ، ولا بالمرسل أخذوا ، وهم يقولون : إن المرسل والمسند سواء - : وأما فقال : من نذر نحر ولده ، أو نحر نفسه ، أو نحر غلامه ، أو نحر والده ، أو نحر أجنبي ، أو إهداءه ، أو إهداء ولده ، أو إهداء والده - فلا شيء عليه في كل ذلك ، إلا في ولده خاصة ، فيلزمه فيه هدي شاة - وهذا من التخليط الذي لا نظير له - ووافقه على كل ذلك أبو حنيفة ، إلا أنه قال : وعليه في عبده أيضا شاة . محمد بن الحسن
واضطرب قول ، فمرة قال : من حلف فقال : أنا أنحر ابني إن فعلت كذا ، فحنث ، فعليه كفارة يمين - : ومرة قال : إن كان نوى بذلك الهدي فعليه هدي ، وإن كان لم ينو هديا فلا شيء عليه ، لا هدي ولا كفارة . مالك
ومرة قال : إن نذر ذلك عند مقام إبراهيم ، فعليه هدي ، وإن لم يقل عند مقام إبراهيم ، فكفارة يمين . [ ص: 264 ]
وقال ابن القاسم صاحبه : إن نذر أن ينحر أباه ، أو أمه ، إن فعلت كذا وكذا ، فالحكم في ذلك كالحكم المذكور في الابن أيضا .
وكذلك إن نذر ذلك بمنى ، أو بين الصفا والمروة ، فكما لو نذره عند مقام إبراهيم - وهذه أقوال في غاية الفساد وخلاف للسلف .
وقال : من قال : أنا أنحر ابني عند الليث بن سعد البيت ، فعليه أن يحج ، ويحج بابنه ويهدي هديا .
وقال : من قال : أنا أنحر فلانا عند الحسن بن حي الكعبة ، فإنه يحجه ، أو يعمره ، ويهدي ، إلا أن ينوي أحد ذلك فيلزمه ما نوى فقط - : وهذه أقوال لا برهان عليها ، فلا وجه للاشتغال بها .
وقال ، أبو يوسف ، والشافعي : لا شيء عليه في كل ذلك إلا الاستغفار فقط . وأبو سليمان
قال : وهذا هو الحق لقول الله تعالى : { أبو محمد ولا تقتلوا أنفسكم } .
وقال تعالى : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } .
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { } ولم يأمره في ذلك بكفارة ، ولا هدي { : من نذر أن يعصي الله فلا يعصه وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } .
{ وما كان ربك نسيا } .
روينا من طريق قال : سمعت ابن جريج يحدث سليمان بن موسى أن رجلا أتى إلى عطاء فقال له : نذرت لأنحرن نفسي ؟ فقال له ابن عمر : أوف ما نذرت ، فقال له الرجل : أفأقتل نفسي ؟ قال له إذن تدخل النار ، قال له : ألبست علي قال : أنت ألبست على نفسك ؟ قال ابن عمر : وبهذا كان يفتي أبو محمد ، صح أن آتيا أتاه فقال : نذرت صوم يوم النحر ؟ فقال له ابن عمر : أمر الله تعالى بوفاء النذر ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [ ص: 265 ] عن صوم يوم النحر . وأن امرأة سألته ؟ فقالت : نذرت أن أمشي حاسرة ؟ فقال : أوفي بنذرك ، واختمري . ابن عمر
وقد ذكرنا قبل عن : سقوط نذر المعصية جملة وبهذا نقول . ابن عباس