1406 - مسألة : ومن - : لم يحل له أكله إلا حتى يتوب ، فإن تاب فليأكل حلالا ، وإن لم يتب فإن أكل أكل حراما ، وإن لم يأكل ، فهو عاص لله تعالى بكل حال . وهذا قول كان في سبيل معصية كسفر لا يحل ، أو قتال لا يحل ، فلم يجد شيئا يأكل إلا الميتة ، أو الدم ، أو خنزيرا ، أو لحم سبع أو بعض ما حرم عليه الشافعي - وقال وأبي سليمان : يأكل . مالك
قال : وهذا خلاف للقرآن بلا كلفة ; لأن الله تعالى لم يبح له ذلك إلا في حال يكون فيها غير متجانف لإثم ، ولا باغيا ، ولا عاديا ، وأكله ذلك عون على الإثم والعدوان ، وقوة له على قطع الطريق وفساد السبيل ، وقتل المسلمين ، وهذا عظيم جدا . أبو محمد
فقالوا معنى قوله تعالى : { غير باغ ولا عاد } أي غير باغ في الأكل ولا عاد فيه ؟ فقلنا : هذا الباطل ، والقول على الله تعالى بزيادة في القرآن بلا برهان ، وهذا لا يحل ، أصلا لأنه تحريف للكلم عن مواضعه .
فإن قالوا قد قال الله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } فهو إن لم يأكل قاتل نفسه ؟ فقلنا : قول الله حق ، وما أمرناه قط بقتل نفسه بل قلنا له : افعل ما افترض الله عليك من التوبة ، واترك ما حرم عليك من السعي في الأرض بالفساد ، والبغي ، وكل في الوقت حلالا طيبا ، فإن أضفتم إلى خلافكم القرآن الإباحة له أن لا يتوب ، وأمره بأن يصر على الفساد في الأرض ، فما أردنا منكم إلا أقل من هذا ؟ وقال الحنفيون : لا يلزم الإكراه على البيع ، ولا على الشراء ، ولا على الإقرار ، ولا على الهبة ، ولا على الصدقة ولا يجوز عليه شيء من ذلك .
قالوا : فإن - : لزمه كل ذلك ، وقضي عليه به ، وصح ذلك النكاح ، وذلك الطلاق ، وذلك العتق ، وتلك الرجعة ، ولزمه ذلك النذر ، وتلك اليمين . أكره على النكاح أو الطلاق ، أو الرجعة ، أو العتق ، أو النذر ، أو [ ص: 206 ] اليمين
وروينا من طريق نا حماد بن سلمة عبد الملك بن قدامة الجمحي حدثني أبي : أن رجلا تدلى بحبل ليشتار عسلا فحلفت له امرأته لتقطعن الحبل أو ليطلقنها ثلاثا ؟ فطلقها ثلاثا ، فلما خرج أتى فأخبره ، فقال له عمر بن الخطاب : ارجع إلى امرأتك ، فإن هذا ليس طلاقا . عمر
ومن طريق عن حماد بن سلمة حميد عن الحسن : أن قال : ليس لمستكره طلاق . علي بن أبي طالب
قال الحسن : وأخذ رجلا أهل امرأته فطلقها إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر ، فجاء الأجل ولم يبعث شيئا ، فخاصموه إلى ، فقال : اضطهدتموه حتى جعلها طالقا فردها عليه . علي
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا نا هشيم عبد الله بن طلحة الخزاعي نا أبو يزيد المدني عن : أنه قال : ليس لمكره طلاق . ابن عباس
وصح أيضا : عن من طرق أنه لم يجز طلاق المكره . ومن طريق ابن عمر ثابت الأعرج قال : سألت كل فقيه بالمدينة عن طلاق المكره ؟ فقالوا : ليس بشيء ، ثم أتيت ، ابن الزبير ، فردا علي امرأتي ، وكان قد أكره على طلاقها ثلاثا . وابن عمر
وصح هذا أيضا : عن ، جابر بن زيد والحسن ، ، وعطاء ، وطاوس ، وشريح - وهو قول وعمر بن عبد العزيز ، مالك والأوزاعي ، ، والشافعي ، وأحمد ، وجميع أصحابهم . وصح إجازة وأبي سليمان أيضا : عن طلاق المكره . ابن عمر
وروي عن ، عمر ، ولم يصح عنهما - . وصح عن وعلي الزهري ، ، وقتادة ، والنخعي . وسعيد بن جبير
واحتج المجيزون لذلك بعموم قوله تعالى : { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } [ ص: 207 ] قال : وهذا تمويه منهم ; لأن الله تعالى الذي قال هذا هو الذي قال : { أبو محمد ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم } والمكره لم يطلق قط ، إنما قيل له : قل : هي طالق ثلاثا ؟ فحكى قول المكره له فقط .
والعجب من تخليطهم ، وقلة حيائهم يحتجون بعموم هذه الآية في إجازة طلاق المكره ، ثم لا يجيزون بيع المكره ، والله تعالى يقول : { وأحل الله البيع وحرم الربا } فإن قالوا : البيع لا يكون إلا عن تراض ؟ قلنا : والطلاق لا يكون إلا عن رضا من المطلق ونية له بالنصوص التي قدمنا . [ ص: 208 ] ثم قد خالفوا هذا العموم ولم يجيزوا ، ولا طلاق النائم ، فإن قالوا : ليس هذان مطلقين ؟ قلنا : ولا المكره مطلقا . طلاق الصبي
وأطرف شيء أنهم احتجوا ههنا فقالوا : البيع يرد بالغيب ؟ فقلنا : نعم ، ولكن بعد صحة ، فأخبرونا هل وقع بيع المكره صحيحا أم لا ؟ فإن قلتم : وقع صحيحا ، فلا سبيل إلى رده إلا برضاهما ، أو بنص في ذلك ، وإن قلتم : لم يقع صحيحا وهو قولهم ؟ قلنا : فقياسكم ما لم يصح على ما صح باطل في القياس ; لأنه قياس الشيء على ضده ، وعلى ما لا يشبهه . وقلنا لهم أيضا : وكذلك الطلاق من المكره وقع باطلا ، واحتجوا بأخبار فاسدة - : منها : ما رويناه من طريق أبي عبيد نا حدثني إسماعيل بن عياش الغازي بن جبلة الجبلاني عن صفوان بن عمران الطائي { أن رجلا جعلت امرأته سكينا على حلقه وقالت : طلقني ثلاثا أو لأذبحنك فناشدها الله تعالى ، فأبت ، فطلقها ثلاثا ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا قيلولة في الطلاق } .
ورويناه أيضا : من طريق عن نعيم بن حماد عن بقية الغازي بن جبلة عن صفوان الطائي عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم . وهذا كله لا شيء ; لأن ، إسماعيل بن عياش : ضعيفان ، وبقية والغازي بن جبلة مجهول ، وصفوان ضعيف ، ثم هو مرسل .
وذكروا حديثا من طريق مطين عن حسين بن يوسف التميمي - وهو مجهول - عن [ ص: 209 ] - وهو مجهول - عن محمد بن مروان عطاء بن عجلان عن عكرمة عن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } . قال كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه المغلوب على عقله : وهذا قلة حياء منهم أن يحتجوا برواية أبو محمد عطاء بن عجلان وهو مذكور بالكذب ، ثم هم يقولون : إن الصاحب إذا روى خبرا وخالفه فذلك دليل ، على سقوط ذلك الخبر ، وإنما روي هذا من طريق ابن عباس
وقد روينا من طريق عن عبد الرزاق عن عبد الله بن المبارك الأوزاعي عن قال : إن يحيى بن أبي كثير لم ير طلاق المكره ، فيلزمهم على أصلهم الفاسد أن يسقطوا كل هذه الأخبار ; لأن ابن عباس روى بعضها ، وخالفه كما فعلوا فيما كذبوا فيه على ابن عباس من تركه ما روى هو وغيره من الصحابة رضي الله عنهم من غسل الإناء من ولوغ الكلب سبعا ، ولكنهم قوم لا يعقلون . وأيضا : فهم أول مخالف لهذا الخبر ; لأنهم لا يجيزون طلاق النائم يتكلم في نومه بالطلاق ، ولا طلاق الصبي ، وليسا معتوهين ، ولا مغلوبين على عقولهما . أبي هريرة
ويقولون فيمن فهي لازمة - وإن نوى ثلاثا فهي لازمة - وإن نوى اثنتين لزمت واحدة ولم تلزم الأخرى . قال لامرأته في غضب : أنت خلية ، أو بائن ، أو برية ، أو حرام ، أو أمرك بيدك - ونوى طلقة واحدة
فمن أرق دينا ممن يحتج بخبر هو أول مخالف له على من لا يراه حجة أصلا ، واحتجوا بالآثار الواردة { } قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد . : وهي آثار واهية كلها لا يصح منها شيء ، ثم لو صحت لم يكن لهم فيها حجة أصلا ; لأن المكره ليس مجدا في طلاقه ، ولا هازلا ، فخرج أن يكون لهم حكم في ذلك . [ ص: 210 ] قال أبو محمد : وأي عجب أكثر ممن يحتج بهذه الأكذوبات التي هي إما من رواية كذاب ، أو مجهول ، أو ضعيف ، أو مرسلة ، ثم يعترض على ما رويناه من طريق علي الربيع بن سليمان المؤذن عن بشر بن بكر عن الأوزاعي عن عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم { ابن عباس } عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه .
فإن قال : سأل أباه عن هذا الحديث ؟ فقال له : إنه رواه شيخ عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الوليد بن مسلم الأوزاعي ، . ومالك
قال : عن مالك عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم . ابن عمر
وقال الأوزاعي : عن عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم . ابن عباس
فقال : هذا كذب ، وباطل ، ليس يروى إلا أحمد الحسن عن النبي - فاعجبوا للعجب إنما كذب رحمه الله من روى هذا الخبر من طريق أحمد عن مالك عن نافع - ومن طريق ابن عمر عن الوليد بن مسلم الأوزاعي عن عن عطاء وصدق ابن عباس في ذلك - : فهذا لم يأت قط من طريق أحمد عن مالك عن نافع ولا من طريق ابن عمر عن الوليد بن مسلم الأوزاعي عن عن عطاء ، إنما جاء من طريق ابن عباس بشر بن بكر عن الأوزاعي عن عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن بدل الأسانيد فقد أخطأ ، أو كذب إن تعمد ذلك . ابن عباس
ثم العجب كله عليهم هذا الخبر بأنه مرسل من طريق الحسن ، وهم يحتجون في هذه المسألة نفسها بأنتن ما يكون من المراسيل ، أما هذا عجب ؟ ثم قالوا : كيف يرفع عن الناس ما استكرهوا عليه وقد وقع منهم ؟ وهذا اعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم حملهم قلة الدين وعدم الحياء على مثل هذا الاعتراض الذي هو عائد عليهم بذاته كما هو عائد في رفعهم الإكراه في البيع ، والشراء ، والإقرار ، والصدقة . ثم هو كلام سخيف منهم ; لأنه لم يقل عليه السلام قط : إن المكره لم يقل ما أكره على أن يقوله ، ولا أنه لم يفعل ما أكره على فعله ، لكنه أخبر عليه السلام أنه رفع عنه حكم كل ذلك ، كما رفع عن المصلي فعله بالسهو في السلام ، والكلام ، وعن الصائم أكله ، وشربه ، وجماعه سهوا ، وعن البائع مكرها بيعه - وبالله التوفيق .
قال : وكل ما موهوا به في هذا فهو مبطل لقولهم في إبطال بيع المكره وابتياعه ، وإقراره ، وهبته ، وصدقته ، مثل قولهم : إننا وجدنا المكرهة على إرضاع [ ص: 211 ] الصبي خمس رضعات يحرمها عليه ويحرم عليه مما يحرم عليه من جهتها لو أرضعته طائعة . أبو محمد
قال : وهذا عليهم في الإكراه على البيع ، والابتياع ، والصدقة ، والإقرار - ثم نقول لهم : إن الرضاع لا يراعى فيه نية ، بل رضاع المجنونة ، والنائمة ، كرضاع العاقلة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم { علي } فلا مدخل للإرادة في الرضاع ، ولا هو عمل أمرت به فيراعى فيه نيتها - . يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
وقالوا : وجدنا من أكره على وطء امرأة ابنه يحرمها على الابن . قال : وهذا عليهم في البيع ، والصدقة ، والإقرار - . أبو محمد
وجوابنا نحن أنه إن أخذ فرجه فأدخل في فرجها لم يحرم شيئا ; لأنه لم ينكحها - وأما إن تهدد ، أو ضرب حتى جامعها بنفسه قاصدا - : فهو زان مختار قاصد ، وعليه الحد ، وتحرم ; لأنه لا حكم للإكراه ههنا .
قال : ونقول لهم : هبكم أنكم وجدتم في الطلاق ، والعتق : هذه الآثار المكذوبة ، فأي شيء وجدتم في النكاح ؟ وبأي شيء ألزمتموه ؟ وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم إبطاله - : كما روينا من طريق علي عن مالك عن أبيه عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عبد الرحمن ، ومجمع ، ابني يزيد بن جارية الأنصاري { خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب ، فكرهت ذلك ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحه } . عن
ومن طريق أحمد بن شعيب نا محمد بن داود المصيصي نا نا الحسين بن محمد عن جرير بن حازم عن أيوب السختياني عكرمة عن { ابن عباس } أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي زوجني - وهي كارهة - فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها .
وهذان سندان في غاية الصحة لا معارض لهما . قال : فمن حكم بإمضاء نكاح مكره ، أو طلاق مكره ، أو عتق مكره ، [ ص: 212 ] فحكمه مردود أبدا ، الوطء في ذلك النكاح ، وبعد ذلك الطلاق ، وبعد ذلك العتق - إن تزوج المطلقة والمعتقة - : زان يجلد ، ويرجم إن كان محصنا ، ويجلد مائة ويغرب عاما إن كان غير محصن . أبو محمد
والعجب أنهم لا يرون الإكراه على الردة تبين الزوجة ، والردة عندهم تبينها - وهذا تناقض منهم في إجازتهم الطلاق بالكره .