الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن عدي بن عدي الكندي قال : كتبت إلى عمر بن عبد العزيز أسأله عن المرأة تعطي من مالها بغير إذن زوجها ؟ فكتب : إما هي سفيهة أو مضارة ؟ فلا يجوز لها ، وإما هي غير سفيهة ولا مضارة فيجوز .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل قال : كتب عمر بن عبد العزيز في امرأة أعطت من مالها : إن كانت غير سفيهة ولا مضارة فأجز عطيتها .

                                                                                                                                                                                          وعن ربيعة أنه قال : لا يحال بين المرأة وبين أن تأتي القصد في مالها في حفظ روح أو صلة رحم ، أو في مواضع المعروف ، إذا لم يجز للمرأة أن تعطي من مالها شيئا ، كان خيرا لها أن لا تنكح ، وأنها إذا تكون بمنزلة الأمة .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق حماد بن سلمة عن قيس - هو ابن سعد - قال : قال عطاء بن أبي رباح : تجوز عطية المرأة في مالها . [ ص: 185 ] ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن ابن سيرين قال : إذا أعطت المرأة الحديثة السن ذات الزوج قبل السنة عطية ، فلم ترجع حتى تموت ، فهو جائز .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : إذا أعطت المرأة من مالها في غير سفه ولا ضرار جازت عطيتها ، وإن كره زوجها .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : أما قول مالك فما نعلم له متعلقا ، لا من القرآن ، ولا من السنن ، ولا من رواية سقيمة ، ولا من قول صاحب ، ولا تابع ، ولا أحد قبله نعلمه ، إلا رواية عن عمر بن عبد العزيز قد صح عنه خلافها كما ذكرنا آنفا ، ولم يأت عنه أيضا تقسيمهم المذكور ولا عن أحد نعلمه ، ولا من قياس ، ولا من رأي له وجه ، بل كان ما ذكرنا مخالفا لقوله ههنا - على ما نبين إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          والرواية عن عمر رويناها من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال : جعل عمر بن عبد العزيز للمرأة إذا قالت : أريد أن أصل ما أمر الله به ؟ وقال زوجها : هي تضارني ؟ فأجاز لها الثلث في حياتها .

                                                                                                                                                                                          وهم قد خالفوا عمر بن عبد العزيز في سجوده : إذا السماء انشقت وفي عشرات من القضايا - وهم قد خالفوا ههنا : عمر بن الخطاب ، وأنس بن مالك ، وأبا هريرة وأبا موسى الأشعري ، والزبير ، وأسماء ، وجميع الصحابة - على ما نذكر إن شاء الله تعالى - وشريحا ، والشعبي ، والنخعي ، وعطاء وطاوسا ، ومجاهدا ، والحسن وابن سيرين ، وقتادة ، وعمر بن عبد العزيز ، وغيرهم .

                                                                                                                                                                                          والعجب من تقليدهم عمر رضي الله عنه في امرأة المفقود ، وفي ما يدعونه عليه من الحد في الخمر ثمانين ، ومن تأجيل العنين سنة ، ومن تحريمه على من تزوج في العدة ودخل أن يتزوجها في الأبد - وقد خالفه غيره من الصحابة في كل ذلك ورجع هو عن بعض ذلك ، ثم لم يقلدوه ههنا .

                                                                                                                                                                                          وهلا قالوا ههنا : مثل هذا لا يقال بالرأي ، كما قالوه في كثير مما ذكرنا فإن عمر ومن ذكرنا معه أبطلوا فعل المرأة جملة قبل أن تلد ، أو تبقى في بيت زوجها سنة ، ثم أجاز بعد ذلك جملة ولم يجعل للزوج في شيء من ذلك مدخلا ، ولا حد ثلثا من أقل ، ولا من أكثر . [ ص: 186 ] وأما الحنفيون فيلزمهم مثل هذا سواء سواء ; لأنهم قلدوا عمر في حد الخمر ، وفي تأجيل العنين سنة ، وفيما ادعوا عليه من شرب النبيذ المسكر - وكذبوا في ذلك ، فهلا قلدوه ههنا وقالوا : مثل هذا لا يقال بالرأي ، ولكن القوم في غير حقيقة - ونحمد الله تعالى على نعمه .

                                                                                                                                                                                          قال أبو محمد : وموه المالكيون بأن قالوا : صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : { تنكح المرأة لمالها وجمالها وحسبها ودينها } قالوا : فإذا نكحها لمالها فله في مالها متعلق ; وقالوا : قسناها على المريض والموصي .

                                                                                                                                                                                          قال علي : وهذا تحريف للسنة عن مواضعها وأغث ما يكون من القياس وأشده بطلانا - : أما الخبر المذكور فلا مدخل فيه لشيء من قولهم في إجازة الثلث وإبطال ما زاد ، وإنما يمكن أن يتعلق به من يذهب إلى ما روي عن أبي هريرة ، وأنس ، وطاوس ، والليث تعلقا مموها أيضا على ما نبين إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          وأما قياسهم المرأة على المريض فهو قياس للباطل على الباطل ، واحتجاج للخطأ بالخطأ ، ثم لو صح لهم في المريض ما ذهبوا إليه لكانوا قد أخطئوا من وجوه - : أحدها - أن المرأة صحيحة وإنما احتاطوا بزعمهم على المريض لا على الصحيح ، وقياس الصحيح على المريض باطل عند كل من يقول بالقياس لأنهم إنما يقيسون الشيء على مثله لا على ضده .

                                                                                                                                                                                          والثاني - أنه لا علة تجمع بين المرأة الصحيحة وبين المريض ولا شبه بينهما أصلا ، والعلة عند القائلين به إما على علة جامعة بين الحكمين ، وإما على شبه بينهما .

                                                                                                                                                                                          والثالث - أنهم يمضون فعل المريض في الثلث ، ويبطلون ما زاد على الثلث ، وههنا يبطلون الثلث ، وما زاد على الثلث - فقد أبطلوا قياسهم .

                                                                                                                                                                                          والرابع - أنهم يجيزون للمرأة ثلثا بعد ثلث ، ولا يجيزون ذلك للمريض - فجمعوا في هذا الوجه مناقضة القياس ، وإبطال أصلهم في الحياطة للزوج ; لأنها لا تزال تعطي ثلثا بعد ثلث حتى تذهب المال إلا ما لا قدر له - وهذا تخليط لا نظير له . [ ص: 187 ] فإن قالوا : قسناها على الموصي ؟ قلنا : المنفذ غير الموصي ودخل عليهم كل ما أدخلناه آنفا في قياسهم على المريض .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : إن للزوج طريقا في مالها إذ قد تزوج بالمال ؟ فسنذكر ما يفسد به هذا القول إن شاء الله تعالى إثر هذا في كلامنا على من يمنعها من الحكم في شيء من مالها ; لأن هذا الاحتجاج إنما هو لهم ، لا للمالكيين ، بل هو عليهم ; لأنه لو صح لكان موجبا للمنع من قليل مالها وكثيره . لكن نسألهم عن الحرة لها زوج عبد ، والكافرة لها زوج مسلم ، والتي تسلم تحت كافر ، هل لهؤلاء منعهن من الصدقة بأكثر من الثلث أم لا ؟ فإن قالوا : لا ، تناقضوا ، وإن قالوا : نعم ، زادوا أخلوقة .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : هي محتاجة إلى ما يتقرب به إلى الله عز وجل فلم يجز منعها من جميع مالها ، وكان الثلث قليلا ؟ قلنا : هذا يفسد من وجوه : - أحدها : أنها إن كانت محتاجة إلى ما يتقرب به إلى الله تعالى فما الذي أوجب أن تمنع من التقرب إلى الله تعالى بالكثير الزائد على الثلث كغيرها ، ولا فرق ؟ وثانيها : أن نقول لهم : والمحجور السفيه بإقراركم إلى ما يتقرب إلى الله تعالى به كما توجبون عليه الصلاة . والصيام ، والزكاة ، والحج ، وسائر الشرائع فأبيحوا له الثلث أيضا بهذا الدليل السخيف نفسه .

                                                                                                                                                                                          فإن قالوا : المرأة ليست سفيهة .

                                                                                                                                                                                          قلنا : فأطلقوها على مالها ودعوا هذا التخليط بما لا يعقل ؟ وثالثها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الثلث والثلث كثير } فقلتم أنتم : إنه قليل - وحسبكم هذا الذي نستعيذ الله من مثله .

                                                                                                                                                                                          ورابعها : أن الثلث عندكم مرة كثير فتردونه كالجوائح ، ومرة قليل فتنفذونه مثل هذا الموضع وشبهه - فكم هذا التناقض والقول في دين الله تعالى بمثل هذه الآراء ؟ وخامسها : أن حجة الزوج في مالها كحجة الولد ، أو الوالد ، أو الأخ ، بل ميراث هؤلاء أكثر ; لأن الزوج مع الولد ليس له إلا الربع ، وللولد ثلاثة الأرباع - والوالد والولد كالزوج في أنهم لا يحجبهم أحد عن الميراث أصلا ، فامنعوها مع الولد ، [ ص: 188 ] والوالد ، من الصدقة بأكثر من الثلث بهذا الاحتياط الفاسد ، لا سيما وحق الأبوين فيما أوجب عندهم وعندنا من حق الزوج ; لأن الأبوين إن افتقرا قضوا بنفقتهما وكسوتهما وإسكانهما وخدمتهما عليها في مالها أحبت أم كرهت - ولا يقضون للزوج في مالها بشيء - ولو مات جوعا وبردا - فكيف احتاطوا للأقل حقا ولم يحتاطوا للأكثر حقا - فلاح فساد هذا القول الذي لا ندري كيف ينشرح صدر من له أدنى تمييز لتقليد من أخطأ فيه الخطأ الذي لا خفاء به ، وخالف فيه كل متقدم نعلمه ، إلا رواية عن عمر بن عبد العزيز قد صح عنه خلافها ليس أيضا في تقسيمهم ذلك وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وأما من منعها من أن تنفذ في مالها شيئا إلا بإذنه فإنهم احتجوا بالخبر المذكور ، وبقوله تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } . وبما رويناه من طريق الليث عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، { قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي النساء خير ؟ قال : الذي تسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره } .

                                                                                                                                                                                          وبما حدثناه أحمد بن عمر نا محمد بن أحمد بن نوح الأصبهاني نا عبد الله بن محمد بن الحسن المديني نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا الحسن بن عبد الغفار بن داود نا موسى بن أعين عن ليث بن أبي سليم عن عبد الملك - قال الصائغ : ليس هو العرزمي - عن عطاء عن ابن عمر { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حق الزوج على زوجته ؟ قال : لا تصدق إلا بإذنه ، فإن فعلت كان له الأجر . وكان عليها الوزر . }

                                                                                                                                                                                          ومن طريق عمرو بن شعيب أن أباه حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة خطب فقال : لا تجوز لامرأة عطية في مالها إلا بإذن زوجها } . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن رجل وعن عبد الله بن طاوس قال الرجل : عن عكرمة ، وقال ابن طاوس : عن أبيه ، ثم اتفقا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل [ ص: 189 ] لامرأة شيء في مالها إلا بإذن زوجها } هذا لفظ طاوس ، ولفظ عكرمة " في مالها شيء " ما نعلم لهم شيئا غير هذا أصلا

                                                                                                                                                                                          وكل هذه النصوص الآية والأخبار ما صح منها وما لم يصح فحجة على المالكيين ، ومبطل لقولهم في إباحة الثلث ومنعهم مما زاد .

                                                                                                                                                                                          فأما الخبر { تنكح المرأة لأربع } فليس فيه التغبيط بذلك ، ولا الحض عليه ، ولا إباحته فضلا عن غير ذلك ، بل فيه الزجر عن أن تنكح لغير الدين لقوله عليه السلام في هذا الخبر نفسه { فاظفر بذات الدين } فقصر أمره على ذات الدين ، فصار من نكح للمال غير محمود في نيته تلك .

                                                                                                                                                                                          ثم هبك أنه مباح مستحب ؟ أي دليل فيه على أنها ممنوعة من مالها بكونه أحد الطماعين في مال لا يحل له منه شيء إلا ما يحل من مال جاره ؟ وهو ما طابت له به نفسها ونفس جاره ولا مزيد .

                                                                                                                                                                                          وأيضا : فإن الله تعالى افترض في القرآن والسنة التي أجمع أهل الإسلام عليهما إجماعا مقطوعا به متيقنا أن على الأزواج نفقات الزوجات ; وكسوتهن ، وإسكانهن ، وصدقاتهن ، وجعل لهن الميراث من الرجال كما جعله للرجال منهن سواء سواء - فصار بيقين من كل ذي مسكة عقل حق المرأة في مال زوجها واجبا لازما ، حلالا يوما بيوم ، وشهرا بشهر ، وعاما بعام ، وفي كل ساعة ، وكرة الطرف ، لا تخلو ذمته من حق لها في ماله . بخلاف منعه من مالها جملة ، وتحريمه عليه ، إلا ما طابت له نفسها به ، ثم ترجو من ميراثه بعد الموت كما يرجو الزوج في ميراثها ولا فرق . فإن كان ذلك موجبا للرجل منعها من مالها فهو للمرأة أوجب ، وأحق في منعه من ماله إلا بإذنها ; لأن لها شركا واجبا في ماله ، وليس له في مالها إلا التب والزجر ، فيا للعجب في عكس الأحكام .

                                                                                                                                                                                          فإن لم يكن ذلك مطلقا لها منعه من ماله خوف أن يفتقر فيبطل حقها اللازم ؟ فأبعد والله وأبطل أن يكون ذلك موجبا له منعها من مال لا حق له فيه ، ولا حظ إلا حظ الفيل من الطيران .

                                                                                                                                                                                          والعجب كل العجب من إطلاقهم له المنع من مالها أو من شيء منه - وهو لو [ ص: 190 ] مات جوعا ، أو جهدا ، أو هزالا ، أو بردا ، لم يقضوا له في مالها بنواة يزدردها ، ولا بجلد يستتر به ، فكيف استجازوا هذا ؟ إن هذا لعجب ؟ فبطل تعلقهم بهذا الخبر جملة .

                                                                                                                                                                                          وأما قول الله تعالى : { الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم } فإن الله تعالى لم يخص بهذا الكلام زوجا من أب ، ولا من أخ .

                                                                                                                                                                                          ثم لو كان فيها نص على الأزواج دون غيرهم لما كان فيها نص ولا دليل على أن له منعها من مالها ، ولا من شيء منه ، وإنما كان يكون فيه أن يقوموا بالنظر في أموالهن - وهم لا يجعلون هذا للزوج أصلا بل لها عندهم أن توكل في النظر في مالها من شاءت على رغم أنف زوجها ؟ ولا خلاف في أنها لا ينفذ عليها بيع زوجها لشيء من مالها - لا ما قل ولا ما كثر - لا لنظر ولا لغيره ، ولا ابتياعه لها أصلا - فصارت الآية مخالفة لهم فيما يتأولونه فيها . وصح أن المراد بقوله تعالى : { الرجال قوامون على النساء } ما لا خلاف فيه من وجوب نفقتهن وكسوتهن عليهم ، فذات الزوج على الزوج ، وغير ذات الزوج إن احتاجت على أهلها فقط - وبالله تعالى التوفيق - فصارت الآية حجة عليهم ، وكاسرة لقولهم .

                                                                                                                                                                                          وأما حديث أبي هريرة : فإن يحيى بن بكير رواه عن الليث - وهو أوثق الناس فيه - عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال فيه : { ولا تخالفه في نفسها وماله بما يكره } .

                                                                                                                                                                                          وهكذا رويناه أيضا من طريق أحمد بن شعيب : أنا عمرو بن علي نا يحيى - هو ابن سعيد القطان - نا ابن عجلان نا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة : { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خير النساء ؟ قال : التي تطيع إذا أمر ، وتسر إذا نظر ، وتحفظه في نفسها وماله } ثم لو صح - ومالها دون معارض - لما كان لهم في تلك الرواية متعلق ; لأن هذا اللفظ إنما فيه الندب فقط لا الإيجاب ، وإنما الطاعة في الطاعة ، والمنع من [ ص: 191 ] الصدقة ، وفعل الخير ليس طاعة ، بل هو صد عن سبيل الله تعالى - فبطل تعلقهم بهذا الخبر .

                                                                                                                                                                                          وأما خبر ابن عمر : فهالك ; لأن فيه موسى بن أعين - وهو مجهول - وليث بن أبي سليم - وليس بالقوي - وأما حديث عبد الله بن عمرو : فصحيفة منقطعة - ثم لو صح لكان منسوخا بخبر ابن عباس الذي نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                          وأما خبر طاوس ، وعكرمة فمرسلان - فبطل كل ما شغبوا به - وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد : فإذ قد سقطت هذه الأقوال فالتحديد الوارد عن عمر رضي الله عنه ومن اتبعه في أن لا يجوز لها عطية إلا بعد أن تلد . أو تبقى في بيت زوجها سنة ، فلا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما افترض الله تعالى الرجوع عند التنازع إلى القرآن ، والسنة ، لا إلى قول أحد دون ذلك - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          قال علي : فبطلت الأقوال كلها إلا قولنا ولله تعالى الحمد .

                                                                                                                                                                                          ومن الحجة لقولنا - : قول الله تعالى : { لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها } فبطل بهذا منعها من مالها طمعا في أن يحصل للمانع بالميراث أبا كان ، أو زوجا . وقول الله تعالى : { والمتصدقين والمتصدقات } وقال تعالى : { وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت } فلم يفرق عز وجل بين الرجال في الحض على الصدقة وبين امرأة ورجل ، ولا بين ذات أب بكر ، أو غير ذات أب ثيب ، ولا بين ذات زوج . ولا أرملة - فكان التفريق بين ذلك باطلا متيقنا ، وظلما ظاهرا ممن قامت الحجة عليه في ذلك فقلد - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          وقد ذكرنا في صدر هذا الباب { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بالصدقة ولم يشترط عليها إذن الزبير ، ولا ثلثا فما دون فما فوق ، بل قال لها : ارضخي ما استطعت ولا توكي فيوكى عليك . }

                                                                                                                                                                                          ومن طريق سفيان بن عيينة نا أيوب السختياني سمعت عطاء قال : سمعت ابن عباس [ ص: 192 ] يقول : { أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلى قبل الخطبة - ثم خطب فرأى أنه لم يسمع النساء فأتاهن فذكرهن ووعظهن وأمرهن بالصدقة وبلال قائل بثوبه ، فجعلت المرأة تلقي : الخاتم ، والخرص ، والشيء } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا أبو الربيع الزهراني نا حماد - هو ابن زيد - نا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أم عطية عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه { أمر أن يخرج في العيدين العواتق وذوات الخدور } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا قتيبة نا إسماعيل بن جعفر عن داود بن قيس عن عياض بن عبد الله بن أبي سرح العامري عن أبي سعيد الخدري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الأضحى ، ويوم الفطر ، وكان يقول : تصدقوا تصدقوا ، وكان أكثر من يتصدق النساء } فهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم النساء بالصدقة عموما .

                                                                                                                                                                                          نعم ، وجاء { ولو من حليكن } ، وفيهن العواتق المخدرات ذوات الآباء وذوات الأزواج " فما خص منهن بعضا دون بعض ، وفيهن المقلة ، والغنية فما خص مقدارا دون مقدار ، وهذا آخر فعله عليه السلام ، وبحضرة جميع الصحابة ، وآثار ثابتة - ولله تعالى الحمد .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية